لو عاد حسن ومرقص وكوهين اليوم - تمارا الرفاعي - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 2:14 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لو عاد حسن ومرقص وكوهين اليوم

نشر فى : الأربعاء 12 سبتمبر 2018 - 10:00 ص | آخر تحديث : الخميس 13 سبتمبر 2018 - 11:21 ص

احتفل المصريون هذا العام برأس السنوات الهجرية والقبطية واليهودية فى الأسبوع ذاته، وانتشرت المعايدات ضمن بعض الدوائر على شبكات التواصل الاجتماعى، فتمنت كل طائفة للآخرتين سنة خير ومحبة.
***
تذكرت حسن ومرقص وكوهين، عنوان المسرحية والفيلم الشهيرين الذين اجتذبا عددا هائلا من المشاهدين فى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى، فصرت أردد أسماءهم فى عقلى كل ما قرأت فيها عن تزامن المناسبات الدينية الثلاثة هذه السنة. أنا شخص يجد فى القراءة عن مجتمعات بداية القرن العشرين فى الشرق الأوسط متعة كبيرة، أستمع بنهم عن مجتمعى كما كان حتى قبل نحو خمسين عاما. لا أتحدث هنا عن وصف ساذج للتعايش السلمى، كمن يدعى أنه لم يكن يعرف ديانة جاره، فذلك وصف غير دقيق فى مجتمعات متنوعة كانت الطوائف المختلفة فيها تمارس طقوسها لا سيما الاحتفالية منها دون الحاجة إلى التوارى عن الأنظار. لذا فإننى أكاد أجزم أن طائفة كل جار كانت معروفة لدى الجيران الآخرين، لكن المعنى هو أن الانتماء الدينى لم يشكل مادة للحديث أو لمواقف حددت العلاقة بين الأصدقاء والجيران حتى قبل نحو خمسين عاما.
***
ورغم مسئولية الظروف السياسية والإقليمية المباشرة فى تغيير الكثير من التوازن الدينى الاجتماعى والثقافى، لا سيما فى البلاد التى تأثرت من قيام دولة إسرائيل، وما انعكس على الطائفة اليهودية فى البلاد، إلا أننى أصبحت اليوم، بعد أن رأيت ما آلت إليه الحال فى بلاد كسوريا والعراق، مقتنعة أن الفرد، أى الشخص، المواطن، عليه مسئولية كبيرة أيضا فى الحفاظ على مجتمع متنوع، إن أراد ذلك.
***
فى الحروب والنزاعات التى أتابعها بحكم اهتمامى بالسياسة وعملى فى مجال حل النزاعات والمساعدات الإنسانية، صرت أرى سهولة أن نشيطن الآخر ونتعصب لمن هم من طرفنا أو قبيلتنا أو مجموعتنا، مقابل صعوبة أن تنجاوز العصبية (بمعنى التعصب لطرفنا فى النزاع) من أجل الوقوف مع الحق العام. مفهوم «أنا وأخى على ابن عمى، وأنا وابن عمى على الغريب» يتناقض تماما مع إمكانية أن نفتح عقلنا وقلبنا، وهما على فكرة بنفس درجة الأهمية، على ما هو مفيد للمجتمع ككل. وللأسف، أنا لم أعد أرى إمكانية بناء مجتمع بكل أفراده على اختلاف انتماءاتهم الدينية والعرقية، سوى من خلال مفهوم المواطنة المبنى على المساواة أمام القوانين، خارج نطاق الأديان جميعها.
***
حسن ومرقص وكوهين مواطنون مصريون أو سوريون أو عراقيون أولا ضمن مفهوم الدولية، هم يمثلون أنفسهم حين يرتكبون خطأ ويجب أن يتحملوا مسئوليته وفق قانون ينطبق عليهم جميعا، دون أن يستخدم أيا منهم كفزاعة يتم فيها ترهيب باقى المجتمع من كل من ينتمى سواء لطائفة حسن أو مرقص أو كوهين.
لا أعرف لماذا ما زلنا اليوم، فى القرن الواحد والعشرين، نناقش ما يجب أن يكون قد أصبح من البديهيات. طبعا أعرف أنه، بين قيام دولة إسرائيل وفشل التصدى لامتدادها الذى التهم الأراضى الفلسطينية والسورية، وبين فشل مشروع قومى لم يجمع العرب كما أراد قائده، وظهور أنظمة سياسية اعتمدت على مبدأ الحاكم وليس الدولة وتداول السلطة، ودخول بلاد على السياسات الإقليمية معتمدين على الثروات النفطية الهائلة، كل ذلك جعل من استخدام الورقة الدينية والطائفية طريقة سهلة لإحكام القبضة.
***
لن أخوض هنا فى نقاشات قد تولد لى المتاعب، لكن يكفينى قولا أن أترحم على قصص كثيرة سمعتها من والدى ومن هم بعمره عن حياة يومية كنت أتمنى أن أعيشها لغناها بناس مختلفين سياسيا ودينيا وثقافيا أنتجت جيلا كنت أحب لو جزءا منه. أقف اليوم شبه عاجزة عن الخوض فى نقاشات مع الكثيرين ومن ضمنهم أولادى، حول التعايش واحترام الآخر، إذ إن كل من هو من الأجيال التى تلت جيلى غالب الظن أنهم لم يعاصروا بقايا التعايش ولم يسمعوا قصصا مباشرة من أشخاص ما زالوا يتذكرون «حى اليهود» أو ممن لم يسمعوا بانفجار فى كنيسة أو فى مسجد سنى أو شيعى طول حياتهم. الحقيقة هذه النقاشات تسبب لى وجعا فى القلب، خصوصا مع اشتداد موجة عالمية يبدو أنها موجهة ضد «الآخر»، هذا الآخر هو أنا، أيا كنت لا يهم، فسوف يجد أحدهم ما يعرفنى من خلاله أننى «الآخر» وبالتالى غير أهل بالثقة.
***
لو عاد حسن ومرقص وكوهين اليوم لجلس كل منهم فى غرفة وأغلق بابها على نفسه. سوف يفتح الباب بحذر ويشد من يشببه إلى داخلها بسرعة قبل أن يغلق الباب بإحكام. سوف يوشوشون أفكارهم داخل الغرفة وسوف تترسخ قناعاتهم عن الاثنين الآخرين دون أن يسألوهما إن كانت شكوكهم فى مكانها. سوف يتولد داخلهم بعد ذلك شعورا بالحذر سوف ينشروه حولهم مستخدمين الترهيب تارة والمزاح والسخرية تارة أخرى، ومع الوقت سوف يكثر سكان كل غرفة وتكبر معه العدائية تجاه كل من هو خارجها. مرة فى السنة، سوف تعج صفحات التواصل الاجتماعى بالتهانى والمباركات العابرة للديانات، وسوف تحاول أصوات من داخل الغرف أن تسكتها، ثم يعود كل إلى مجموعته وسخريته وترهيبه.
***
ربما كان من محاسن القدر أن يموت حسن ومرقص وكوهين قبل أن يدخلوا الغرفة المعنونة بأسماء طوائفهم لأنهم غالبا كانوا سيفقدون عقولهم لو بقوا.

تمارا الرفاعي كاتبة سورية
التعليقات