هناك عدد من المعايير توضح حال ثقافة الناس فى مجتمع معين، سمعت كثيرا من البعض أن مستوى تحضر المجتمع يظهر فى طريقة التعامل فى الشارع، ونظافة دورات المياه، واحترام قواعد المرور، والاعتناء بالبيوت من الخارج.. إلخ، وهى جملة مؤشرات واقعية مباشرة يمكن الاحتكام إليها لتقييم حال المجتمع. ولا تتصل المسألة بالفقر والغنى، إذ هناك مجتمعات فقيرة لكنها «نظيفة»، وهناك تجمعات بشرية «موسرة» لكنها لا تراعى معايير النظافة والجمال، والمثال على ذلك قد تجد سائق سيارة قديمة يبقى على ما يريد أن يتخلص منه حتى يذهب إلى أقرب صندوق قمامة، بينما تجد سائق سيارة فارهة، يفتح شباك سيارته، ويلقى مخلفاته فى عرض الشارع.
وإذا كانت أوافق بالطبع على المعايير السابقة التى سمعناها كثيرا ممن سبقونا، أضيف إليها معيارا حديثا على مستوى تحضر المجتمع، هو تعليق الناس على صفحات التواصل الاجتماعى، والمواقع الإخبارية، وصفحات الإنترنت. يعلق المتحضرون، أى المتعلمون والمثقفون، بلغة مهذبة، حتى لو كان لديهم اختلاف فى الرأى، بينما يلجأ غير المتحضرين، وقد يكونوا ممن يحملون شهادات دراسية، إلى لغة بذيئة، وسخافات تعبر عن خواء نفسى وعقلى. يكتب القلم ما يدور فى العقل، ويعبر اللسان عما يشعر القلب، وفى كلا الحالتين لغة الإنسان تظهره، وتحدد مستوى تحضره. منذ أيام نشر أحد المواقع الإخبارية تعليق من إحدى الفنانات الشهيرات عن أهمية التبرع بأعضاء الشخص المتوفى لإنقاذ حياة ناس آخرين، بل وأعلنت رغبتها فى التبرع بأعضائها. قضية إنسانية طبية، نقبلها أو نرفضها، لكن ينبغى أن نناقشها باحترام وتقدير، ولكن للأسف ذهب جانب كبير من التعليقات إلى البذاءة وطول اللسان والتلميحات الجنسية بما لا يليق بالموضوع المطروح، ولا الموقع الإلكترونى الذى ينشر المادة الإخبارية، مما دفع القائمين عليه إلى حذفها. من أى مورد أتى هؤلاء المعلقون على مواقع الإنترنت؟ من تعليم ردىء، وتربية أسرية غائبة، وشارع غوغائى، وتدين سطحى، وصور نمطية خاطئة وضعت فى عقول الناس منذ الصغر عن الفنانين، بل والشخص المختلف فى النوع أو الدين أو لون البشرة أو ملامح الوجه.. إلخ. للأسف، من يريد أن يقيس تحضر أى مجتمع عليه أن يبحث فى تعليقات الجمهور على الفضاء الإلكترونى، لأن فيها الكثير من أوجه غياب الآدب والخلل النفسى وعدم القدرة على التعبير عن الأفكار. ما ذكرته مجرد مثال، لكن هناك عشرات الأمثلة اليومية يمكن أن نجدها من التجوال فى المواقع الإلكترونية، وقراءة تعليقات المتابعين لها. قد تلجأ المواقع لحذف التعليقات غير اللائقة، وربما نجد محاميا يرفع دعوى قضائية أمام المحاكم يطالب بفرض الرقابة على مواقع الإنترنت، وقد يصل الأمر إلى مقترح تشريع يقدم إلى مجلس النواب بهذا الشأن، ولكن الحل ليس فى كل ذلك. العلاج فى إعادة النظر فى تكوين الأطفال والشباب، تعليما وثقافة وتدينا، وغرس قيم الثقافة المدنية والتطوع فى المدارس، وتشجيع الطلاب على المشاركة فى جهود التنمية والرعاية الاجتماعية، مما يؤدى فى النهاية إلى ارتفاع منسوب الثقافة الإنسانية لديهم، ويرقى بفكرهم إلى احترام الإنسان، أيا كان، والنظر إليه باحترام.