أثناء طرح مشروع قانون إصدار وتشغيل وإدارة المحال العامة والصناعية والتجارية المقدم من الحكومة ذكر أن نحو 80% من محال شرق وغرب القاهرة تعمل بلا تراخيص، وتكرر نفس الأمر أثناء نظر مشروع قانون للتصالح فى مخالفات البناء أن نحو نصف الثروة العقارية مخالفة بدرجات متفاوتة، منها نسبة لا يستهان بها (غير محصورة بدقة) نظرا لأن هناك مناطق بالكامل لا تعرف معنى الترخيص مما يطلق عليه «عشوائية»، ومن آن لآخر نجد قرارات اغلاق لمؤسسات وهمية فى مجال التعليم العالى، ومراكز دروس خصوصية، ومقاهٍ غير مرخصة إلى حد أن «الشيشة» التى غزت كل مقاهى مصر لا يوجد لها ترخيص من الأساس، ومصانع غير مرخصة يُطلق عليها «مصانع بير السلم» تعمل فى مجالات متعددة من صناعة مواد غذائية مرورا بالدواء غير المطابق للمواصفات وانتهاء بالخمور، وقنوات فضائية وصحف غير مرخصة، وأطباء يمارسون مهنة دون شهادة جامعية أو ترخيص بمزاولتها، وبضائع تباع على الأرصفة مجهولة المصدر، وأكشاك غير مرخصة، وأسواق تنشأ لبيع سلع غير مرخصة، حتى بعض السيارات الملاكى تُطلى باللون الأبيض الذى يجعلها تقترب فى الشكل من سيارات التاكسى مما يمكن أصحابها من تشغيلها تاكسى دون تحمل أى أعباء، الخ.
أدى عدم ترخيص الأنشطة المتعددة إلى أن يصبح هناك اقتصاد غير رسمى (تسمية مهذبة) يصل حجمه إلى نحو 40% من الاقتصاد المصرى، يعمل فيه طاقة عاملة تصل إلى نحو سبعة ملايين شخص، ويحصل على الخدمات العامة التى تقدمها الدولة إما عن طريق الاستيلاء عليها أو دفع مقابل لها مثل حالات «الممارسة» ــ أى دفع مقابل سرقة التيار الكهربائى الذى تدفعه بعض المحلات أو الاكشاك أو العربات المتنقلة التى تستولى على الشارع، وتحتل الرصيف الذى لم يعد للمارة بل لممارسة انشطة غير مرخصة.
نحن فى مجتمع غير مرخص. ولا يعنى ذلك أن الإدارة الحكومية ــ غالبا الإدارات المحلية ــ غائبة أو مغيبة، بل هى مستيقظة وحاضرة لديها معلومات، لكن هيئتها الإدارية تنتفع من عدم الترخيص فى التربح، والإفادة من الوضعية غير القانونية للشخص حتى يحصل الموظفون المعنيون على عوائد منتظمة من المخالفين نظير غض الطرف عنهم، أو الصمت حيالهم أو تغطيتهم بالتواطؤ معهم.
المجتمع إذن يحتاج إلى ترخيص. يعنى الترخيص سلطة الدولة، ومراعاة الضوابط القانونية والصحية والبيئية فى تشغيل الانشطة، والحساب عند الخطأ، وتطبيق القانون على الشخص المخالف، وهو ما يستدعى عدة اشتراطات أولا: قانون عقلانى يحقق مصالح المواطنين دون شطط أو غلو، يشجعهم على الالتزام به، ثانيا: جهات إدارية تطبقه بشفافية، بعيدا عن الفساد والافساد، وتضع القواعد الواضحة دون محاباة، وثالثا: مساعدة الناس على تنظيم أمور حياتهم من خلال تقديم حزمة مميزات لهم تجعلهم حريصين على ترخيص حياتهم بدلا من العيش فى الهامش، فى ظل عدم الترخيص، مما يستدعى سد الثغرات فى القوانين، ومحاسبة الموظفين الذين يتربحون من بقاء هذه الأوضاع على ما هى عليه.