كنت فى المقالين السابقين قد أرسلت رسالتين للمهتمين بالعمل الأهلى فى مصر أُبرز فيهما بعض إيجابيات قانون العمل الأهلى الحالى رقم 149 لسنة 2019 بمقارنته بالقانون السابق رقم 70 لسنة 2017، وفى هذا المقال أورد بعض التعليقات والتحفظات لبعض مواد القانون آملة أن تتداركها اللائحة التنفيذية المقرر إصدارها حتى فبراير 2020.
النواحى الإدارية
عند تقديم طالب تأسيس الجمعية مستنداته، وتأكد الجهة الإدارية وهى وزارة التضامن من استيفاء البيانات المنصوص عليها، أمهلت المادة 9 من القانون رقم 149 الوزارة مدة 60 يوم عمل (أى ثلاثة أشهر) للتأكد من خلو أغراض الجمعية من أى نشاط مخالف للدستور أو محظور أو مؤثم. وإذا تبين خلاف ذلك، للوزارة الحق فى وقف نشاط الجمعية بقرار مُسبب يرسل إلى الجمعية. وأرى هنا أن مدة الـ60 يوما عمل مدة طويلة جدا قد توثر سلبا على برامج الجمعية التى تكون قد انتهت من التحضير لها أو بدأت العمل بها فعليا. كما أن أغراض الجمعية تدوَن فى مستندات الإخطار ومنها نظامها الأساسى فما الذى سوف يظهر خلال هذه المدة خاصة أن الجمعية تخضع لمراقبة الوزارة طوال فترة عملها؟ أرجو أن يكون هناك نص فى اللائحة يحث الوزارة على الإسراع فى البت فى هذه المسألة. كما كان يجب أن تتوافق هذه المادة، عند نصها بحق الوزارة فى وقف نشاط الجمعية، مع المادة 75 من الدستور التى تشترط على أى جهات إدارية الحصول على حكم محكمة قبل التدخل فى نشاط الجمعية.
وبالرغم من ورود تفصيل دقيق لجميع المستندات المطلوبة كشرط لتفعيل الإخطار بتأسيس الجمعية، إلا أن المادة نصت فى الفقرة الأخيرة على أن هناك مستندات أخرى قد تنص عليها اللائحة التنفيذية للقانون، وأرى بدلا من إضافة مستندات أخرى على الجمعية استيفائها، أن توضح اللائحة التنفيذية بعض الأمور غير الواضحة فى المستندات المنصوص عليها فى القانون مثل حقوق المتطوعين وواجباتهم ووسائل حمايتهم (فقرة 7 من المادة 8).
وبالنسبة لتوفيق أوضاع الجمعية المشهرة بالفعل، نص القانون على حلها بحكم محكمة لو لم توفق أوضاعها وفقا للضوابط المنصوص عليها فى اللائحة التنفيذية. أرجو هنا أن يرد للجمعية حق طعن الجمعية على حكم المحكمة فى اللائحة التنفيذية بأن يرد نص مقترح فيها كالتالى:
«للجهة الإدارية (وزارة التضامن) أن تتقدم إلى المحكمة الابتدائية الكائن بدائرتها مقر الجمعية، بطلب لحل الجمعية، وتنظر المحكمة فى هذا الطلب على وجه السرعة، بعد سماع وجهة نظر الجمعية المطلوب حلها وفحص المستندات التى تتقدم بها لتأييد وجهة نظرها.
فإذا أصدرت المحكمة حكما بحل الجمعية، فإنه يجوز للجمعية أن تطعن فى هذا الحكم بالاستئناف أمام محكمة الاستئناف المختصة طبقا لأحكام قانون المرافعات وفى مواعيد الاستئناف المقررة فيه.
فإذا أصدرت محكمة الاستئناف حكما برفض الطعن وبحل الجمعية، فللجمعية أن تطعن فى هذا الحكم بالنقض طبقا للأحكام القانونية المقررة للطعن بالنقض... «وفيما يخص إنشاء جمعيات تعنى بشئون أعضاء الجاليات الأجنبية، فعلى الرغم من النص فى القانون على أن إنشاء الجمعيات يكون بالإخطار، إلا أن المشرع جعل تأسيس هذه الجمعية بترخيص من الوزير المختص كما أن نص المادة يعنى أن مجلس الإدارة يمكن أن يتكون كله من أجانب بخلاف المادة 5 التى وضعت حدا أقصى لتمثيل الأجانب فى عضوية الجمعية أو مجلس إدارتها وهو 25%. ونرجو أن توضح اللائحة أن هذه الجمعيات لها تكييف قانونى مخالف للجمعيات التى يكون أعضاؤها أو أعضاء مجلس إدارتها من المصريين.
فى مجالات عمل الجمعية كانت توجد جملة هامة فى مجالات العمل المسموح بها فى مشروع قانون تنظيم العمل الأهلى الذى تقدمت به وزارة التضامن فى 2016 وهى «توعية حقوقية وقانونية ودستورية» ولكن القانون رقم 70 قام بإلغائها ولم يرد نص فى القانون الجديد على ذلك. وهذا يعكس أن هذه المجالات غير مرغوب العمل فيها (مادة 14 من القانون رقم 149). والنص فقط على: «تعمل الجمعيات فى مجالات تنمية المجتمع المحددة فى نظامها الأساسى دون غيرها وذلك مع مراعاة خطط الدولة التنموية واحتياجات المجتمع».
كما حظر القانون الجمعيات من ممارسة أنشطة من شأنها الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة أو الوحدة الوطنية أو الأمن القومى (فقرة د، مادة 15). وهذه العبارات عبارات غير محددة ويُخشى أن يُترك تفسيرها لتقدير موظفى الجهة الإدارية أو سلطات الدولة وتجد الجمعية نفسها واقعة تحت طائلة القانون وعُرضة لتوقيع العقوبات عليها. وأرجو أن تقدم اللائحة التنفيذية تفسيرا دقيقا لهذه العبارات.
وقد استحدث القانون حكما لم يكن فى أى من القوانين السابقة المنظمة للعمل الأهلى فنصت المادة 13 على وجوب حصول كل المبادرات أو الحملات فى مجال العمل الأهلى، التى تقوم بها أشخاص أو كيانات، على تصريح من وزارة التضامن ويجدد التصريح كل سنة من الوزارة. وهذا معناه أن حتى لو هذا العمل الأهلى كان مجرد مبادرة أطلقتها مجموعة من الشباب مثلا فيجب الحصول على تصريح من الوزارة.
أما إذا كان هناك من لا يعمل بشكل مباشر فى مؤسسات العمل الأهلى ولكن يود توجيه الدعوة للجمهور لجمع التبرعات النقدية والعينية، مثل الذى يحدث فى الحملات الإعلامية عندما يقوم مقدمو برامج تليفزيونية أو مواطنون يقومون بمعرفة احتياجات آنية وعاجلة لأفراد فى المجتمع ويريدون سدها عن طريق جمع التبرعات من معارفهم أو أصدقائهم، فيجب عليهم إبلاغ وزارة التضامن خلال ثلاثة أيام عمل على الأكثر من تاريخ توجيه الدعوة ولا يجوز التصرف فى التبرعات الناتجة عن تلك الدعوة إلا بعد الحصول على تصريح بذلك من الوزارة. وأرجو أن توضح اللائحة الحد الأقصى للوقت الذى يتعين على الوزارة التصريح لهؤلاء الأفراد بصرف التبرعات التى جمعوها وألا تشكل الإجراءات الإدارية عائقا أمام صرف التبرعات على وجه السرعة.
ولو الجمعية قامت بإجراء استطلاعات الرأى أو نشر أو إتاحة نتائجها أو إجراء بحوث ميدانية أو عرض نتائجها بدون الرجوع للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء للتأكد من سلامتها وحيادها وتعلقها بنشاط الجمعية، (فقرة ى مادة 15) تدفع الجمعية غرامة من 50,000 ج.م إلى 500,000ج.م. وفى رأيى إن هذا الإجراء يمكن أن يعيق عمل الجمعية لأن جزءا مهما جدا من عملها القيام ببحوث ميدانية لمعرفة احتياجات الفئة المستهدفة أو لقياس أثر البرامج التى تقوم بها الجمعية على المستفيدين، خاصة أن الجمعية تخضع أصلا لرقابة الجهة الإدارية (وزارة التضامن). وآمل أن تضع اللائحة التنفيذية تعريفا محددا لاستطلاعات الرأى الإجمالية عن مجال معين من المجالات الاقتصادية والاجتماعية المحظور على الجمعيات القيام بها إلا بموافقة الجهاز المركزى، كأن تُصدر الجمعية بيانات عن نسبة الفقر فى مصر مثلا بناء على مسح لعينة من المواطنين قامت به مخالف لبيانات الجهاز، والتفرقة بين هذه النوعية من البيانات وبين استطلاعات الرأى أو البحوث الميدانية المحدودة التى تقوم بها الجمعيات على الفئات المستهدفة من برامج الجمعية.
وفيما يخص طريقة ترشيح أعضاء مجلس إدارة الجمعية فقد نصت المادة 38 على وجوب تنازل عضو مجلس الإدارة عن ترشحه خلال 15 يوما من تاريخ إخطار الوزارة، فللوزارة أو لكل ذى شأن الحق فى استبعاد المرشح لعدم توافر شروط الترشح فيه ثم يتظلم أمام المحكمة المختصة بعد التنازل. ونتفق هنا مع المستشار عاصم الخولى فى تعقيبه على قانون الجمعيات رقم 70 لسنة 2017 (والتى وجدت هذه المادة فى القانون رقم 149 منقولة بنصها من مادة فى القانون رقم 70) فيما انتهى إليه من أن هذا التسلسل الإجرائى يُحرم المرشح من الدفاع عن نفسه قبل التنازل عن الترشح إذ من الجائز أن يكون الادعاء كيديا. كما نرجو أن توضح اللائحة التنفيذية ما المقصود من عبارة «كل ذى شأن» الذى له حق الاعتراض على ترشيح عضو مجلس الإدارة.
وأجاز القانون لوزير التضامن عند الضرورة، فى حالة عدم كفاية عدد أعضاء مجلس الإدارة، تعيين مجلسا مؤقتا من بين الأعضاء الباقين أو من غيرهم (مادة 44). يعاب على هذا النص، وفقا للمستشار الخولى، عدم الدقة وطول مدة تعيين المجلس المؤقت (سنة كاملة) الذى سوف يكون حتما من خارج المجلس الفعلى للجمعية لعدم كفايته وعلى الأرجح سوف يتم تعيينه من العاملين بالجهة الإدارية مما قد يؤثر سلبا على أنشطة الجمعية. ولم يُحَدد موعد الانعقاد فى حالة تقاعس المجلس المؤقت عن تحديد موعد الاجتماع. وكان النص المقابل فى القانون 84 لسنة 2002م أكثر انضباطا ووضوحا وأقرب للواقع إذ كانت المدة لا تتعدى الـ60 يوم لانتخاب مجلس ادارة جديد.
النواحى المالية
تفرض المادة 17 من القانون الحالى قيدا على التبرعات التى تقدم للجمعيات بما لا يزيد عن 10% من صافى دخل المتبرع. وأتساءل هنا: لماذا هذا القيد على المتبرع الذى يريد التبرع بأكثر من هذه النسبة من حر ماله؟
وأرى أن الغرامات المالية كبيرة جدا فهى تتراوح بين 50,000 ج.م. لمليون ج.م وفى رأيى الغرامات وُضعت بدون النظر لحجم الجمعية وميزانيتها وأعمالها فى حين كان أفضل أن الغرامات تصبح نسبة محددة من حجم أعمال الجمعية.
وبالنسبة لشروط دعم الجمعيات من الصندوق المخصص لهذا الغرض والتابع لوزارة التضامن والمُفرَد له فصل كامل فى القانون: أرجو أن تضع اللائحة التنفيذية معايير وشروط تقديم الدعم للجمعيات: هل سيكون الدعم بناء على التقييمات الدورية التى تقوم بها الوزارة على الجمعيات، بمعنى أنه لو مثلا كانت توجد شهادة تطبيق معايير الجودة مثل شهادة الأيزو ISO التى تشير إلى أن الجمعية «س» التزمت بكل أو بعض معايير الجودة، يكون تقديم الدعم المادى لها من الصندوق متناسبا مع مدى التزامها بهذه المعايير؟ فى اعتقادى أن هذا سيكون حافزا للعاملين بالجمعية لتحسين الأداء والنهوض بالجمعية، وأيضا ستُستخدم شهادة الجودة تلك كشهادة ثقة للجهات المانحة وتُعلن الوزارة بصفة دورية عن الجمعيات الحاصلة على هذه الشهادة وأوجه القوة والضعف لها لتسهيل المهمة الشاقة على الجمعيات فى إيجاد تمويل إما من منظمات محلية أو أجنبية أو شركات لديها إدارات المسئولية المجتمعية التى مهمتها تمويل أنشطة جمعيات تنموية.
ويمكن أن تكون وزارة الأوقاف مصدرا حيويا من مصادر دعم وتمويل مؤسسات العمل الأهلى لو قامت بتمويل أنشطة الجمعيات التى تتناسب برامجها مع أغراض الأوقاف الخيرية وظنى أن التعاون بين وزارتى التضامن والأوقاف فى هذا الصدد سيكون أهم خبر سار للمشتغلين بالعمل الأهلى الذين يضنيهم البحث عن مصارف شتى لتمويل أنشطتهم فى حين أن هناك مصدرا هاما للتمويل يمكن أن يكون متاحا لهم ولم يطرقوه من قبل.
وختاما، ففى حين أن العبء على المجتمع الأهلى كبير لتنمية المجتمع وتلبية احتياجات الفئات الأكثر احتياجا ولكنه سوف يتمكن من تحمله مع جهة إدارية على درجة عالية من الكفاءة والدراية بفلسفة القانون الحالى وأحكامه ولها القدرة على سرعة الاستجابة لمتطلبات العمل الأهلى.
استشارى حقوق الطفل