ورقة بيضاء تحمل صورة المرشح عبدالفتاح سعيد حسين خليل السيسى، وتحتها دائرة خضراء للتصويت بـ«نعم» وأخرى سوداء للتصويت بـ«لا».. هكذا يريدها مهندس الانتخابات المصرية الذى تم استدعاؤه من الأزمنة الغابرة.. استفتاء على مرشح واحد «لا شريك له».
على مدى نحو 7 عقود، ظل هذا المهندس يجلس فى غرفته المظلمة فى «اللا مكان»، يخطط ويدير مع عدد من أعوانه الموهوبين فى الفك والتركيب 16 استفتاء انتهت كلها بـ«نعم».. بالغ فى بعض الأحيان فأوصل النتيجة إلى خمس تسعات «99.999%، وتواضع مرات قليلة تحت حصار الضغوط الخارجية، فنزل بها إلى حد الـ93.7%.
«المخلوع» مبارك حظى وحده بنصيب الأسد من عمل المهندس العجوز، حيث كلفه بحسم 7 استفتاءات ما بين تجديد ولايات رئاسية وتمرير تعديلات دستورية وحل للبرلمان، نجح الرجل فى إدارة العملية بدقة، أوصل صاحبه إلى القمة وضمن له الاستمرار ثلاثين عاما، ونتيجة لهشاشة القواعد والأساسات التى وضعها المهندس الفلتة، تآكل النظام وتشرخت أعمدته فسقط مع أول هزة شعبية فى يناير 2011.
ورغم أن دستور 2014، عرف النظام السياسى بأنه يقوم على أساس «التعددية والمنافسة، والتداول السلمى للسلطة»، بما يعنى ضرورة وجود أكثر من مرشح فى أى استحقاق انتخابى، إلا أن الرئيس المؤقت عدلى منصور قرأ الطالع وتوقع مبكرا أن يأتى الوقت الذى تعقم فيه مصر ولا تسطيع أن تقدم سوى مرشح واحد، فوضع الحل فى المادة 36 فى قانون الانتخابات الرئاسية الذى أصدره فى مارس 2014، والتى نصت على أن: «يتم الاقتراع لانتخاب رئيس الجمهورية حتى لو تقدم للترشح مرشح وحيد أو لم يبق سواه بسبب تنازل باقى المرشحين وفى هذه الحالة يعلن فوزه إن حصل على 5% من إجمالى عدد الناخبين المقيدة أسماؤهم بقاعدة بيانات الناخبين..».
ما يجرى فى مصر الآن ما هو إلا محاولة من مهندس الاستحقاقات الانتخابية لإخلاء الساحة من أى منافس محتمل للمرشح عبدالفتاح السيسى، لتحويل الحلم الذى استشهد من أجله المئات بوضع مصر على قائمة الدول المدنية الديمقراطية التعددية التى يتم تداول السلطة فيها عبر صناديق الاقتراع إلى كابوس استفتاءات الـ 99% الذى يطاردنا منذ عقود.
بدأ المهندس لعبته مبكرا، ورأينا محاولات لتشويه وتحطيم أى مرشح محتمل، فلم يسلم رجل دولة سابق أو معارض يعيش تحت خط الفقر من حملات الردح الفضائى «متعاون مع الإخوان.. بتاع نسوان.. فاسد.. ممول من قطر وتركيا.. إلخ»، وإن لم تنجح عمليات الهبش الإعلامى فى إثناء «المحتمل» عن نيته تبدأ مرحلة الحصار والتهديد حتى يرفع الراية البيضاء ويعلن استسلامه وينسحب من معركة لم تدر رحاها بعد بدعوى إنه أعاد «تقدير الموقف العام وقنع بأنه لن يكون الشخص الأمثل لقيادة الدولة خلال تلك الفترة»، ولو فشل كل ذلك مع «محتمل مستبيع» يتم ضغط المدة الزمنية لجمع توكيلات التأييد اللازمة للترشح حتى يعجز ويخرج من المشهد بفضيحة بجلاجل.
لا يريد مهندسو المعركة الرئاسية وجود أى منافس حتى ولو من باب «ذر الرماد فى العيون»، يعلم هؤلاء أن شعبية السيسى تراجعت.. وجود أى منافس محتمل سيفتح الباب إلى إعادة النظر فى تجربة السنوات الأربع فأى مرشح مهما كان موقفه فى المعركة لن يمرر الفرصة دون الحديث عن الأحوال المعيشية للمواطنين كيف كانت وإلى ماذا وصلت، وعن الحريات السياسية والإعلامية وما جرى لها، وعن دور مصر الإقليمى الذى دفع مهد الحضارة إلى الاصطفاف خلف الممالك والإمارات.
نجاح مهندس الاستفتاءات فى مهمته الحالية، بتحويل الانتخابات الرئاسية إلى استحقاق «نعم الخضراء» فى مقابل «لا السوداء»، مقدمة لانهيار ما تبقى من «شبه الدولة».
ارفعوا أيديكم عن خالد على وسامى عنان وأنور السادات وأحمد شفيق ولتكن معركة تنافسية بغض النظر عن النتائج، فسقوط النظام يبدأ من التلاعب بالقواعد، وبقاؤه متوقف على احترامها.