لا أعلم إن كان هناك من بين كبار المسئولين من يعرف أن معرض القاهرة الدولى للكتاب سيبلغ العام المقبل عامه الخمسين؟ وهى مناسبة مهمة تستحق أن تشكل لها لجنة إعداد من الآن.
ولا أعرف أيضا من بين هؤلاء من يحرص على زيارة المعرض بعد أن فقد مشهد الافتتاح طابعه الرسمى ولم يعد مغريًا للكاميرات؟
وشخصيًا عرفت العديد من وزراء الثقافة الذين جاءوا بعد ثورة 25 يناير وكانوا يملكون قبل المنصب خططا لإصلاح أشياء كثيرة من بينها المعرض لكن حالته معهم ساءت أكثر.
ولا أعرف هل أتيحت لأحد هؤلاء الوزراء فرصة الجلوس لشرب الشاى فى المقهى أو تناول سندوتش خفيف واكتشف أن ما طلب تناوله هو كيان عديم اللون والرائحة وربما غير صالح أصلا للاستخدام الآدمى ومع ذلك على المواطن الذى يطلب الاستمتاع بالخدمات الحد الأدنى أن يدفع ربع مرتبه ثمنا لهذا الخطأ لأن كل الخدمات تفتقر لأى نوع من الرقابة سواء كانت رقابة على الجودة أو السعر؟.
غادر بعض هؤلاء الوزراء مواقعهم وبعضهم عاد لشراء الكتب والتجول فى ممرات سيئة التهوية دون أن يسألهم أحد: هل فكر أحدهم خلال سنوات الخدمة أو بعدها فى استعمال حمام عمومى داخل المعرض؟
هل كانوا سيشعرون بالخجل والكسوف مثلا: لو طلبت كاتبة عربية معروفة مغادرة المعرض بسرعة لأنها تحتاج لقضاء حاجتها ولم يكن هناك من حل سوى دخول حمام رئيس هيئة الكتاب لمحاصرة فضيحة!.
والحمد الله رأيت بنفسى بعضهم يتجول فى شوارع المعرض وجنباته ويستمتع بالفوضى غير الخلاقة ولا يحرم نفسه كذلك من متعة هز الرأس وهو يستمع لشكاوى تاريخية من الرواد والناشرين الذين يأتون سنويا على أمل «تحسين الصورة».
وهنا علينا أولا أن نعترف بأن هذا الأمل صار بعيدا؟
ربما لأن أصحاب القرار فى بلادنا لا يهتمون بالإقبال الجماهيرى الذى شهدته الدورة الأخيرة وفاق 5 ملايين زائر لكنهم فى نفس الوقت يقفون أمام الكاميرات بابتسامة باردة للحديث عن قدرة مصر على استعادة «قوتها الناعمة» ولا يعرفون كيف يمكن أن نحقق ذلك؟
وصورة المعرض لا تسر العدو أو الحبيب؛ لأنها تنطوى على أكثر من مفارقة مدهشة وتحتاج لمن يتأمل المسافة بين تطلعات الجمهور الشاب المنتمى للعصر الرقمى بطموحاته فائقة القدرة وبين ما يعيشه المكان الذى ينتمى إلى الماضى من بؤس متكامل الأركان وفى النهاية يسقط الزائر ضحية فوضى التنسيق وغياب جماليات العرض؟
لا يعرف المسئولون فى بلادنا أن عملية «تحسين الصورة» ليست تصريحا صحفيا أو وردة فى عروة الجاكت وإنما عملية تقف وراءها رؤية ينفذها متخصصون يعملون فى مجال التسويق الثقافى والدعائى؟
ويقتضى تنفيذ هذه الخطة أولا النظر لما أنجزته معارض الكتب فى البلاد المجاورة من نجاحات، وليس عيبا أن نتعلم من هؤلاء أو نتبادل معهم الخبرة فمعرض أبوظبى مثلا أعتمد فى سنواته الأولى على الشركة التى تدير معرض فرانكفورت والآن يدار على قواعد أو «فورمات» ثابتة.
لا يحتاج معرض القاهرة لمعجزة تنظيمية تعيده لمكانته كمعرض مؤثر وفعال، لأن لديه ما ليس لدى الآخرين لأن كلمة السر هى الجمهور وإنما يحتاج لعقل يعرف كيف يخطط لاستثمار مساحاته على نحو متميز، فالمشكلة لا تتعلق بفقر الموارد وضعف القدرة المالية وإنما ترتبط بانعدام الخيال الذى يعجز أصحابه عن الاستفادة بحضور 5 ملايين شخص لمناسبة ثقافية واجتماعية لا يتم الترويج لها.
وأكثر من ذلك أن يعتمد منظموها فى عصر المقاهى المتنقلة وعربات الوجبات السريعة على نموذج «الشادر» كأن ثمة إصرار على أن الزوار حفنة من المريدين بينما المعرض نفسه مجرد «مولد» لا يحتاج إلا لبعض (الضوضاء الثقافية) وكان الله بالسر عليما.