أستطيع الآن أن أفهم لماذا ظلت إيطاليا على مدى قرون طويلة (خاصة فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) قبلة الشعراء والأدباء والكتاب والرسامين والفلاسفة والمتخصصين فى العمارة وفى علوم وفنون صيانة الآثار والتراث المعمارى.
أستطيع الآن أن أفهم لماذا جال الشاعر والأديب الألمانى يوهان فولفجانج فون جوته لعامين كاملين بين الأقاليم والمدن الإيطالية المختلفة (1786ــ1788) بحثا عن الإلهام وأملا فى إبداع جديد. وأن أفهم لماذا احتفظ الكثير من الأدباء والفلاسفة الأوروبيين والأمريكيين الراحلين بتقليد سنوى لقضاء بعض الوقت فى المدن الإيطالية الساحرة كفلورنسا وسيينا وروما وتاورمينا وجنوا وبيزا، ولماذا يسعى للقدوم إلى إيطاليا النجوم المعاصرون فى الفنون والعلوم والعمارة ويتكالبون على منح الإقامة فى منتجعاتها الجبلية وعلى شواطئ بحيراتها التى تقدمها مؤسسات فكرية وثقافية عالمية.
أستطيع الآن أن أفهم لماذا يربط الكثير منا حب الحياة وحب الجمال بإيطاليا، بلغتها التى كلما استمعت إليها خلتها وصلات غنائية لا تنقطع، بميادين مدنها الجميلة ومبانيها البديعة ومشاهد الحب أمام (بل وبداخل) بعض معالمها الشهيرة (كالمشهد السينمائى الذى جمع بين الممثلة أنيتا ايكبرج والعظيم مارسيلو مستوريانى فى نافورة تريفى بمدينة روما والذى أبدعه المخرج فريدريكو فللينى فى فيلم الحياة الحلوة المنتج عام 1960)، بتذوق أهلها للجمال وللطعام ولتميزهم فى ممارسة الاستمتاع بالحياة ونسيان أوجه المعاناة الاقتصادية والاجتماعية (وهى محدودة فيما خص الأغلبية).
أستطيع الآن أن أفهم لماذا تستحوذ اللغة الإيطالية على العدد الأكبر من الأوبرات التى أبدعها موسيقيون عظام على مدى القرون الماضية ولماذا لا تنافسها إلا اللغة الألمانية التى كتبت بها أيضا أوبرات رائعة، ولماذا يحتفى بهذه اللغة الجميلة على الرغم من محدودية المتحدثين بها عالميا وتنتشر مراكز تعليمها فى العديد من أرجاء المعمورة، ولماذا هوس الآسيويين والأوروبيين والأمريكيين الشماليين والجنوبيين بإيطاليا ولغتها.
أستطيع الآن أن أفهم لماذا يعود الزائر مجددا إلى إيطاليا ــ يأتى إليها مثقلا بالهموم ويغادرها بطاقة إيجابية وتنشيط لخلايا حب الحياة وحب الجمال. وتستطيعون الآن أن تتصوروا أن استمتاعى بإيطاليا البديعة والتى أمضيت بها الأسبوعين الماضيين يستعصى إفساده بأحاديث الإفك والتهافت عنى وعن أسرتى من قبل بعض خدمة السلطان. يتواصل استمتاعى بالرحلة الإيطالية، وتتواصل أيضا محاولاتى لتسجيل كلمة حق دون تردد ودون أوهام ــ فإيطاليا البديعة هى داخل منظومة الغرب التى لا أنتظر من حكوماتها إلا المعايير المزدوجة فى التعامل مع قضايا الديمقراطية فى مصر ولا أستديعها أبدا للتدخل فى شئوننا، فهذه يحددها المصريون وحكومات الغرب باتت تفتقد لكل مصداقية أخلاقية وإنسانية لادعاء دعمها للديمقراطية والحقوق والحريات فى مصر وفى بلاد العرب، وهذا الرأى تحديدا هو ما حملته دون إضافات أو رتوش كلمات «معادلة الغرب الخاطئة».
غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر