تابعت كما تابع غيرى عبر سنوات التجربة التى كان يقدمها المخرج المسرحى أحمد إسماعيل بعنوان: «مسرح الجرن» فى مختلف أقاليم مصر انطلاقا من قرية «شبرا خوم» وهى تجربة تنويرية بامتياز تستهدف تنمية المهارات الابداعية لدى طلاب المدارس خارج القاهرة.
وأتذكر أن الدكتور أحمد نوار الفنان التشكيلى المعروف كان من أوائل من تحمسوا للتجربة خلال توليه رئاسة هيئة قصور الثقافة قبل أكثر من عشرين عاما ووجد فيها أداة عملية لوقف التطرف والارهاب ومواجهة دعاة تحريم الفن وقدم لها مشكورا ما يستطيع من دعم واستطاع صاحبها بدأبه المعتاد أن يجمع أنصارا ومبشرين بفكرته عملوا معه ودعموه وفيهم قامات كبيرة على رأسها الراحل علاء الديب ضمير الثقافة المصرية الذى ظل محتفظا بحماسه للمشروع إلى أن غادر دنيانا دون أن يتحقق الحلم فى تعميم التجربة على مدارس ومسارح مصر المختلفة.
وقد فاجأنى المخرج أحمد إسماعيل حين التقيت به مصادفة قبل شهرين بخبر تعثر المشروع فى أضابير الهيئة العامة لقصور الثقافة التى كانت تتولى رعايته وتنفيذه وقال إنه فشل فى الحصول على موعد مع الدكتور أحمد عواض رئيس الهيئة للوقوف على أسباب هذا التعثر وقد أسعدنى الحظ بعدها بأيام بمصادفة أخرى أمام مبنى الهيئة جمعتنى بالدكتور عواض وطرحت عليه أسئلة عن مصير المشروع ووعدنى بمقابلة المخرج أحمد إسماعيل لبحثها تفصيلا وإزالة العقبات التى تحول دون استكمال المشروع، مشيرا إلى أن التجربة تحتاج إلى إعادة توجيه لتلائم رؤية الهيئة فى الوقت الحالى.
ويبدو أنه لم يجد الوقت الذى يمكنه من اللقاء مع أحمد إسماعيل ومناقشته فيما تريد الهيئة تنفيذه وما يعني ويهم غيرى ممن تابعوا المشروع أن يستمر المشروع محتفظا بجوهره الابداعى الذى شرحه لى صاحبه وألا يتحول لمشروع دعائى يهدر ما تم إنجازه عبر سنوات وأتمنى أن تجد وزيرة الثقافة المبدعة الدكتورة إيناس عبدالدايم الوقت الذى يمكنها من الاطلاع على تفاصيل المشروع وتبنيه كمبادرة مهمة فى هذه المرحلة الحرجة، خاصة وأنها استهلت مسيرتها فى الوزارة بالعزف على أحد مسارح المنيا ومدارسها لتؤكد أنها تضع ثقافة الأقاليم على رأس الأولويات وهو رهان صحيح يتقاطع مع جوهر المشروع الذى يستهدف تنمية قدرات طلاب المرحلة الإعدادية كمحور أول، أما المحور الثانى فيتمثل فى بناء مسارح مفتوحة بالقرى الأم بنظرية العمارة البيئية.. قليلة التكلفة والمتسقة جماليا مع العمارة المحلية، ولتصبح مراكز ثقافية وتنويرية باتساع أقاليم مصر، والمحور الثالث كما شرح لى إسماعيل يختص بتنشيط إبداعات القرى من المواهب المتعددة بالريف المصرى، فيما يمثل المشروع بمحاوره الثلاثة تأسيس بنية تحتية للثقافة والفن فى ربوع الوطن.
وهذه التنمية الثقافية تم تفعليها بثمانية أنشطة على مدار ست سنوات لكل الطلاب وأثناء الدوام الدراسى، وذلك فى عدة مدارس إعدادية من الوادى الجديد إلى مرسى طروح، معتمدة على مناهج حديثة وضعها كبار أساتذة التخصصات المختلفة، وما زال بعضهم يشرف مركزيا على المشروع ومن هؤلاء الأساتذة الأساسيين الذين أسسوا مناهج عمل التنمية الثقافية وفيهم المفكر الراحل عبدالحميد حواس خبير الثقافة الشعبية، والباحث الموسيقى الدكتور محمد عمران والمؤلف الموسيقى منير الوسيمى والفنان الراحل الدكتور ناجى شاكر لفن العرائس والديكور المسرحى، الدكتور سعيد أبو رية والفنان أحمد الجناينى للفنون التشكيلية كما أشرف الدكتور سميح شعلان والشاعر الباحث مسعود شومان والباحثة دعاء صالح على جمع وإعادة صياغة لحكايات من القرى التى شملها المشروع وقد تمثل الطلاب لقيمها الإنسانية بمساعدة من الناقد الراحل الدكتور سيد البحراوى، والأديب الراحل يوسف أبو رية والأديبة هالة البدرى والشاعر رجب الصاوى وذلك فى القصة والشعر، الدكتور مصطفى يوسف والمخرج حمدى حسين والدكتورة سامية حبيب والمخرج أحمد عباس للتجربة المسرحية من إبداع الاطفال، الفنان الراحل سمير جابر والفنان محمد بركات للألعاب الشعبية، والدكتور أيمن عامر والدكتورمحمد الرخاوى فى علم النفس الإبداعى، إلى جانب عدد من المخرجين الكبار الذين كانوا مشرفين فنيين لمواقع العمل بالأقاليم الثقافية ومنهم المخرجين عزت زين، أسامة عبدالرءوف، مجدى مرعى وعلى سعد والمخرج محمد الشبة. وقد حرصت على كتابة أسماء أغلب المشاركين لتأكيد اختصاصهم ما يشير إلى العمل بأسلوب علمى لتقييم مخرجات المشروع
ومن المفارقات المؤسفة أن العام الدراسى على الابواب ومشروع العمل مع المدارس مهدد بالتوقف للعام الثالث على التوالى ما يعني استمرار الهدر رغم أن آليات العمل والتعاون مع وزارة التربية والتعليم فى مسرح الجرن تمت بأحسن ما يكون بحسب شهادة المخرج أحمد إسماعيل لكنها تعثرت داخل وزارة الثقافة المختصة بالملف الذى أتمنى أن تنجح وزارة الثقافة فى تنفيذه لتضرب الكثير من العصافير بحجر واحد فهى تستطيع عبره تنمية الإبداع العام، وتعزيز الانتماء باعتماد الثقافة الشعبية عاملا مشتركا فى معظم هذه الانشطة، لتجفيف منابع الفكر المتطرف، فضلا عن تحقيق البهجة كمدخل رئيسى للصحة النفسية فلا أمل فى نهضة بغير تعليم ولا تعليم بغير إبداع.