التدخل التركى فى العراق.. الإمكانات والحدود - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:54 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التدخل التركى فى العراق.. الإمكانات والحدود

نشر فى : الخميس 13 أكتوبر 2016 - 9:15 م | آخر تحديث : الخميس 13 أكتوبر 2016 - 9:15 م
نشر مركز صناعة الفكر للأبحاث والدراسات تحليلا حول إمكانية تدخل تركيا عسكريا فى العراق والإمكانات التى تحفز تركيا على ذلك والتحديات التى تقف عائقا أمام إتمامه وأخيرا السيناريوهات المحتملة إزاء ذلك التدخل.

تبدأ الدراسة بأنه عقب نجاح الحملة العسكرية التركية «عملية درع الفرات» فى تحرير كثير من المناطق السورية المحاذية لتركيا، تحدث الرئيس التركى رجب طيب أردوغان خلال خطابه فى سبتمبر الماضى عن إمكانية تدخل بلاده عسكريا لتحرير مدينة الموصل العراقية من سيطرة داعش. ويستند أردوغان فى خطابه إلى ما أقره البرلمان التركى قبل قرابة عامين من السماح للجيش التركى بالتدخل فى سوريا والعراق؛ حيث فوَّض القوات المسلحة باستخدام القوة فى سوريا والعراق، ومنحها صلاحية باتخاذ الإجراءات اللازمة فى حال وجود «أخطار متعلقة بالأمن القومى التركى». ولهذا الخطاب دلالات كثيرة حول التحول اللافت فى التعامل التركى ــ بعد الانقلاب ــ مع حالة الصراع فى المنطقة، والانتقال من حالة التردد إلى حالة المبادرة، فالتدخل التركى فى العراق ــ إن حدث ــ ستكون له آثار كبيرة فى خريطة الصراع فى العراق وغيرها.

فى السياق ذاته تبدو تركيا جادة فى مسألة التدخل فى قضية الموصل تحديدا، ويشجعها على ذلك إمكانات عدة تذكر الدراسة منها ما يلى:

• تشترك تركيا مع العراق بحدود تقدر بـ331 كم وتتمثل فى حدود محافظة أربيل ودهوك الكرديتين التابعتين لإقليم كردستان، ومحافظة نينوى العربية، الواقعة تحت سيطرة داعش، وهذا يجعلها مؤهلة أكثر من غيرها للدخول وفرض وجودها على المشهد السياسى فى العراق.

• وجود قوات تركية فى العراق، وتحديدا فى الموصل، وهذا يعنى أن تركيا على معرفة بجغرافية الموصل السياسية والعسكرية، ولديها دراسة وافية عن إمكانية التدخل العسكرى واستحقاقاته.

• العلاقة التى تربط تركيا بإقليم كردستان، الذى يرحب بأى تدخل تركى فى العراق، وهو ما سيسهل لتركيا دخولها ومدها بكل ما تحتاج إليه من الدعم المعلوماتى واللوجستى والفنى.

• قيام تركيا بتأهيل قوات سنية تابعة لمحافظ نينوى السابق «أثيل النجيفى» على مستوى التدريب والتجهيز، والدعم الفنى واللوجستى، وهذا يعنى أن هناك قوات حليفة لها من أهل الأرض.

• الإرث التاريخى للموصل، إذ تَعُد تركيا الموصلَ جزءا منها، وتابعا لها، وأنها انتزعت منها انتزاعا بالمعاهدة التى أبرمت مع بريطانيا فى 1926 بعد أن كانت تابعة لها بحكم الدولة العثمانية لقرون.

• موافقة الولايات المتحدة على التدخل التركى فى قضية الموصل، وتجرى محادثات بين مسئولين عراقيين وأمريكيين لتنسيق عملية التدخل التركى، ولتكون بموافقة الحكومة العراقية.

***

على صعيد آخر تبرز الدراسة عدة تحديات تقف حائلا أمام دخول تركيا للعراق وذلك على النحو التالى:

• تبدو الدولة العراقية ككيانات متعددة لكن مرجعيتها واحدة؛ وهى «إيران» التى تسيطر على القرار والثروة فى العراق، وتحاول أن تمسك به بقوة، ورغم الخلاف بينها فإنها لا تقبل بتدخل الأتراك فى الملف العراقى.

• القوى الدولية ذات المصالح؛ فأمريكا تسعى بقوة للمشاركة، وهى تريد العودة بقوة للعراق بقواعد عسكرية ومشاريع اقتصادية، وكذلك فرنسا، وغيرها من الدول.

• تمر تركيا اليوم بمرحلة سياسية معقدة سواء على المستوى الداخلى والخارجى؛ فداخليا هى أمام تحد كبير يتمثل فى إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية والقضاء والتعليم، وباقى مفاصل الدولة المهمة، وهذا تحد كبير يتطلَّب وقتا لتجاوزه، فضلا عن وجود مواجهات مسلحة مع قوات (PKK) الكردية التى تقتنص الفرص لزعزعة الحكومة، وهذا من شأنه أن يجعل تركيا تتردد فى أى خطوة إضافية من شأنها الإسهام بتشتت قدراتها ومواجهةِ أكثرَ من عدو فى آن واحد.

• يعد تنظيم داعش هو الهدف المعلن لأى حملة لتحرير الموصل، ومن ثم فإن التنظيم سيحاول الانتقام من أى قوة تحاول إخراجه من أهم معاقله فى العراق «الموصل»، وهى معركة حياة أو موت بالنسبة إليه، وإذا أقدمت تركيا على ذلك فسيعمل التنظيم على نقل المعركة إلى تركيا بعمليات انتحارية. وقد تبنى التنظيم عمليات متفرقة فى تركيا، وكأنها رسائل للحكومة التركية تنبهها على الخطر المحدق بها فى حال إقدامها على معاداة التنظيم بصورة شاملة.

• عدم اعتراف الحكومة بقوات أثيل النجيفى، أو ما يعرف بالحشد الوطنى، الذى لم يلق أى ترحيب من الدولة العراقية، وهذا سيكون عائقا أمام مشاركته فى عمليات الموصل، وسيعد طرفا غير مرغوب فيه لدى الدولة العراقية التى تعتمد سياسة إقصائية، وقد يكون هذا مربكا لتركيا، خصوصا أنها تعول على هذا الفصيل وتقدم له الدعم، خلافا لتعاملها مع بقية الأطراف السنية.

• التركمان السنة والشيعة؛ فقد عوَّلت تركيا كثيرا على التركمان؛ فهى تدعمهم منذ أكثر من عشر سنوات، إلا أنها اكتشفت أن التركمان السُّنة فى موقف ضعف، ولا يقوون على أن يكونوا مصدر نفوذ داخل العراق. ومن جهة أخرى يوجد من التركمان من هو شيعى الطائفة ومؤيد للحكومة العراقية وإيران، وهؤلاء لهم وجود فى الموصل، ووجودهم سيمثل حالة من الإرباك فى الصف التركى.

***

أما بالنسبة للسيناريوهات التى قد يؤول إليها ذلك التدخل العسكرى فيمكن طرح ثلاثة سيناريوهات محتملة تتمثل فيما يلى:

السيناريو الأول؛ ويتمثل فى دخول تركيا إلى الموصل بقوة وفق ثلاثة احتمالات:

أولا: أن تدخل إلى الموصل فى ضربة خاطفة وتنسحب بعد ذلك، لتبث رسالة إلى دول العالم أنها لا تزال قوية ولم يؤثر فيها الانقلاب، ولتعزيز ثقت الشعب التركى بحكومته.

ثانيا: أن تدخل إلى الموصل ضمن خطة استراتيجية ومصالح اقتصادية وجغرافية، أو أن تسبق جميع الأطراف وتدخل فى عملية شبه خاطفة، وتفرض وجودها على الأرض، ثم تبدأ بالتفاوض.

ثالثا: أن تدخل الموصل من دون تنسيق مع الحكومة العراقية أو إيران، وحينها ستكون فى مواجهة وصراع عسكرى مع الحشد الشيعى الرافض أى دور لها فى العراق، وسيتحقق المقصد الغربى هنا باحتمالية قيام صراع جديد تنغمس فيه تركيا ضد إيران وحلفائها.

السيناريو الثانى: دخول تركيا إلى الموصل فى دور ثانوى وفق ثلاثة احتمالات:

الأول: أن تدخل ويكون دورها هامشيا بسبب أن الحكومة العراقية تضغط بقوة لأجل أن تكون هى على الأرض بقواتها، وأن يكون السند لها من التحالف الدولى جويا لا أكثر، ولن تجنى تركيا شيئا، وستكون طرفا ضعيفا غير مؤثر.

الثانى: أن تدخل بتفاهمات محددة واضحة مع أمريكا وفرنسا وإيران، تأخذ بموجبها حصة من الموصل مقابل ترك سهل نينوى للفرنسيين، وأجزاء أخرى للحشد والحكومة، وأخرى لأمريكا.

الثالث: ألا تدخل إلى الموصل، ولكن تدفع بقوات أثيل النجيفى، مع بناء قوات جديدة للعشائر السنية (من العرب والتركمان) عسكريا وماديا ليكونوا هم من يقاتل على الأرض، أو أن تسند المهمة إلى حلفائها الأكراد، ويكون لها دور الإشراف والتوجيه.
السيناريو الثالث: ألا تدخل مطلقا إلى الموصل، وكل ما أذاعته لرفع رصيدها الإعلامى والمعنوى، ولجس نبض الشارع التركى والعربى والدولى.

***

تختتم الدراسة بالتأكيد على أن تركيا محل أنظار جميع الدول العربية والإسلامية، والكل يتطلع إلى دور فاعل لها فى المنطقة، ولذا عليها أن تستعد لهذا الدور، وتأخذ الجاهزية التامة له، وتعمل على بناء توازنات تؤثر فى المعادلة الإقليمية والدولية، وتتخذ نقطة درع الفرات ودرع دجلة فى الموصل الانطلاقة لذلك.

النص الأصلى:
التعليقات