تفجرت أكثر من قضية اجتماعية مثيرة الأسبوع الماضى، منها اختفاء فتيات، وظهور عنتيل الجيزة. هذه القضايا ليست مستحدثة، فهى تكرار لأحداث مشابهة فى السابق. فتاة تغادر بيت أسرتها بحثا عن علاقة عاطفية مع شاب، أو هربا من سوء المعاملة والضغط النفسى. وعلى الجانب الآخر يظهر شخص فى بيئة محلية يُقيم علاقات واسعة مع سيدات إما بالمال أو الابتزاز أو بالرضا، وبعد فترة زمنية تتداول مقاطع فيديو جنسية لهذا الشخص – الذى أٌصطلح تسميته بالعنتيل ــ مع هؤلاء السيدات، فتحدث الفضيحة، وما يترتب عليها من آثار قانونية واجتماعية.
هذه القصص التى تنشغل بها وسائل الإعلام، بكثافة، وتثير خيال مرتادى مواقع التواصل الاجتماعى ليست جديدة، أظن أن دفاتر أقسام الشرطة متخمة بنوعية هذه القضايا، وهى ليست مرضا أصاب المجتمع المصرى دون سواه. فى صحيفة «ديلى ميل» البريطانية أول أمس كان هناك حديث عن شخص «سادى» حصل على حكم بالسجن عشرين سنة، وجريمته هى اعتياده على ممارسة العنف والسادية على صديقاته من الفتيات على مدى فترة طويلة إلى حد أن أيا منهن لم تكن تستطيع أن تذهب إلى حمام البيت دون الحصول على أذنه. وسبق أن قرأت قصصا كثيرة عن أشكال «السادية» التى تنتشر فى العديد من المجتمعات، والتى يتلذذ فيها الشخص السادى بالإيقاع بالضحية، وممارسة العنف عليها، وتصويرها فى أوضاع إنسانية قاسية.
هذه صور من قاع المجتمع أو العالم السفلى الذى ينشط فيه كل صور الجرائم الشاذة والغريبة. قد تبهرك المجتمعات بجمالها، ورقيها، وجوانب الحضارة المنتشرة فيها، وتستغرب أن هناك جرائم بهذا الشكل تُمارس بين جنباتها، لكنه حال البشرية التى بها أنماط من البشر، بعضهم متدنى فى التفكير والمشاعر والسلوك.
علة ذلك أن المجتمعات الإنسانية المعاصرة باتت على درجة عالية من التعقيد، بحيث تتباين فيها أحوال البشر، وتتفاوت الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وتتنوع خلفياتهم التعليمية والمهنية، مع تفكك روابط المجتمع، يشعر المرء بأنه صار مرجعية لذاته، البعض يتخذ مرجعيات فيها روحانية وتدين وفلسفة، والبعض الآخر يتخذ مرجعيات لسلوكه فيها مادية مفرطة، وانتهازية، واندفاع غريزى، قد يتطور إلى نوعية من الجرائم الغريبة التى نراها.
يشكل ذلك تحديا متناميا فى المجتمع المعاصر، لم يعد يفلح معه الخطابات الدينية التقليدية، ولكنه يحتاج إلى خطابات جديدة تناسب نوعيات متداخلة من البشر، تختلف فى مستواها الاجتماعى والفكرى، ويحتاج كل منها إلى من يتحدث معه بلغته. وهو ما يثبت مجددا أن الدراسات الدينية لا يمكن أن تدرس بمعزل عن العلوم الاجتماعية، وذلك حتى يتسع أفق المشتغل بالخطاب الدينى، ويعى تحولات المجتمع، ويبتكر الخطابات التى تناسبها.