كنت أريد أن أكتب عن مساء جميل عشته الأحد الماضى فى حى الزمالك حيث كان ينبغى على ان أتجول بين 7 قاعات فنية كانت تشهد افتتاح معارض تشكيلية لفنانين متميزين.
وبقدر ما عبر هذا المشهد عن حيوية حقيقية يعيشها القطاع الثقافى غير الرسمى لأنه يعتمد على معيارية واضحة جاء مشهد اليوم التالى فى افتتاح ملتقى الشعر العربى فى دورته الخامسة ليؤكد «حالة التكلس» التى تعانيها بعض الأنشطة الرسمية بسبب افتقارها لهذه المعيارية التى تنعدم فيها شروط الجودة والكفاءة.
ولا اعتقد أن الدولة مسئولة هذه المرة عن المصير البائس الذى وصل اليه ملتقى الشعر وانما هى مسؤلية أعضاء اللجان التى تعيد انتاج أخطائها، بغض النظر عن اسم مقررها وأسماء من يتمتعون بعضويتها لأن «أحمد زى الحاج أحمد».
أعرف من بين بعض أعضاء اللجنة قامات ثقافية كبيرة لكن ليست لديها القدرة على متابعة الانتاج الشعرى الجديد ولا يلجأ هؤلاء فى بناء خياراتهم أو استشاراتهم إلى أسماء يمكن أن تعطى تصورا أمينا عن المشهد الشعرى الراهن، رغم ان الدراسة التوثيقية المهمة التى اعدها الدكتور أحمد مجاهد حول حالة الشعر فى مصر كانت تستحق وحدها جلسة نقاشية موسعة لما انطوت عليه من ارقام ذات دلالة بشأن اتجاهات نشر الشعر وقراءته وهى دراسة كان بإمكانها أن تنقل الملتقى إلى فضاء حقيقى يشتبك مع الواقع الراهن. وللأسف هناك اصرار غير مفهوم على منطق الحشد والهوس بالارقام القياسية
وانا اتساءل ما هى القيمة الحقيقية التى تقف وراء الفخر بمشاركة 100 شاعر وناقد فى الملتقى؟
الأكيد أنه من الصعب الوصول إلى أسماء ترضى الجميع لكنى ادعو الامين العام الجديد للمجلس الاعلى للثقافة الدكتور هشام عزمى وهو رجل علم مولع بالأرقام لاجراء تحليل مضمون لأسماء المدعوين عبر 25 عاما لانشطة المجلس وعدد مرات دعوتهم ليتأكد أن بعضهم يكاد يقيم اقامة كاملة فى مصر ويكاد يكون وجوده مقررا رسميا بالتناوب بين فصول العام.
ولا اعرف كيف يمكن اقامة ملتقى للشعر العربى ويستبعد أسماء مثل غسان زقطان أو زكريا محمد من فلسطين وعمر شبانة وجمانة مصطفى من الاردن أو منذر مصرى وحسين بن حمزة وعارف حمزة وهنادى زرقة من سوريا أو رشا عمران وهى المقيمة فى مصر والتى لن تكلف دعوتها مليما واحدا.
والحال نفسه ينطبق على الأسماء الممثلة للشعر المصرى وهو تمثيل أقل ما يمكن ان يوصف به أنه «تمثيل هزيل» استبعد أسماء مهمة منذ حركة السبعينيات والى الآن ولا اعرف مثلا كيف يمكن لملتقى شعرى أن يستبعد شاعرين مثل عبدالمنعم رمضان أو أحمد طه بزعم انهما لا يرغبان فى التواجد ولهما كل الحق فى رفض منطق «الحشد» والأمر نفسه ينطبق على شعراء من أجيال تالية مثل فتحى عبدالله وفاطمة قنديل وعلية عبدالسلام ومحمود خير الله وأحمد يمانى ومحمود قرنى وياسر الزيات وعزمى عبدالوهاب وايمان مرسال وعلاء خالد ومهاب نصر، وجورج درغام وجيهان عمر ومحمد خير وأسماء ياسين وعماد فؤاد وزهرة يسرى وعزة حسين وبين هؤلاء من تجاوز عمره الخمسين عاما ومع ذلك لا يزال مستبعدا بتهمة الانتماء للشعراء الشباب وهناك استبعاد من نوع آخر يعانى منه شعراء العامية انتقده الدكتور طارق النعمان فى الجلسة الأولى للملتقى.
والجميع يعرف أن من بين هؤلاء أسماء تتم دعوتها لملتقيات العالم ولا نجد لها أى ذكر فى أنشطة الملتقى وأغلبهم يرضى بهذا الاستبعاد ويعتبره «علامة جودة» و اشارة للترفع ورغبة فى الابتعاد عن هذه الصورة الشبحية التى ترفع شعار «كأنه» لأن ما يجرى بالفعل هو تمثيل وتعبير عن شىء يقف على حافة، فلا هو حقيقة كاملة ولا هو نفى كامل لوجودها، فقط كأن ما يجرى (سد خانة) ولا يعبر عن الشعر بأى حال من الأحوال.