أخلاقيا وإنسانيا، تصدم المشاهد العنصرية التى تتكرر هذه الأيام فى بعض البلدان الغربية. عصف بسيادة القانون وانتهاكات للحقوق وللحريات وعنف مفرط باتجاه مواطنين أمريكيين من أصول إفريقية، مسيرات عديدة لمجموعات كارهة للأجانب فى عواصم ومدن أوروبية ومطالب تتصاعد بإغلاق الحدود الأوروبية والتوقف عن استقبال اللاجئين وتجاهل مأساة المهاجرين غير الشرعيين، ائتلافات يمينية حاكمة فى بعض بلدان أوروبا الوسطى والشرقية تدفع إلى الواجهة بخطاب يحمل الأجانب زيفا المسئولية عن أزمات البطالة وانخفاض مستويات المعيشة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، أحزاب سياسية ذات برامج عنصرية تواصل انتزاع المزيد من المقاعد النيابية المنتخبة فى مدن وأقاليم وولايات تمتد أوروبيا من رومانيا إلى فرنسا وتورث المواطنات والمواطنين من أصول أجنبية كما المقيمين القلق والخوف والشعور بالاغتراب.
مجتمعيا وسياسيا، تبدو اليوم السلطات القضائية فى البلدان الغربية وكأنها الأوضح أهلية والأكثر فاعلية فى مواجهة العنصرية المتصاعدة وكبح جماحها. تحاصر المحاكم الأمريكية العصف بسيادة القانون والانتهاكات المتكررة التى تتورط بها الأجهزة الأمنية وعناصر الشرطة فى ولايات مختلفة، والأمر لا يقتصر فقط على حالات القتل العمدى أو بالخطأ لمواطنين أمريكيين من أصول إفريقية. تنتصر المحكمة الدستورية الفيدرالية فى ألمانيا بانتظام لمبدأ مواطنة الحقوق المتساوية ولإقرار حقوق مدنية واقتصادية واجتماعية وثقافية للمقيمين لا تختلف عن المواطنين، وهكذا صدر حكم الدستورية الفيدرالية الأخير بشأن إقرار حق المعلمات المحجبات فى التدريس فى المدارس الحكومية والخاصة. وتنتج السلطات القضائية فى غرب وشمال كما فى شرق وجنوب ووسط أوروبا ذات الأحكام التى تواجه العنصرية ولا تستسلم للمزاج الشعبى المتقلب فى الكثير من الأحيان والمعادى للأجانب فى بعضها.
مجتمعيا وسياسيا، تبدو اليوم المنظمات غير الحكومية وحركات المجتمع المدنى الأخرى وكأنها الأوضح أهلية والأكثر فاعلية على ممارسة التوعية العامة ضد العنصرية وضد مقولاتها وخطاباتها الكارهة للأجانب والمسندة إلى أفكار وانطباعات زائفة ومجردة من القيم الأخلاقية والإنسانية. هكذا تتحرك المنظمات الحقوقية وجمعيات الدفاع عن المساواة وحماية الأجانب واللاجئين فى سياقات غربية كثيرة، وتنجح فى الإبعاد التدريجى لقطاعات شعبية مؤثرة عن مقولات وخطابات العنصريين.
وتعيد إنتاج ازدراء التمييز والممارسات التمييزية إن بسبب العرق أو الدين أو غيرهما. يبهر نشاط هذه المنظمات والجمعيات الراهن فى الولايات المتحدة الأمريكية وفى الكثير من البلدان الأوروبية، وتبهر قدرتهم على الاعتراف بنواقص المساواة فى مجتمعاتهم وطرحهم لحلول حقيقية لا تنتظر تغير توجهات الحكومات ولا اختفاء الأحزاب والأصوات العنصرية ولا تتخلى عن مهمة رقابة مؤسسات وأجهزة الدولة فى تعاملاتها مع المواطن والمطالبة بالشفافية والمساءلة والمحاسبة.