عادة ما يقترن اسم إثيوبيا بالحرب الأهلية الدامية (1974 ــ 1991)، والمجاعة الكبرى (1983 ــ 1985)، وترحيل يهود الفالاشا إلى الكيان الإسرائيلى فى الثمانينيات، والحرب مع إريتريا، وأخيرا سد النهضة، غير أن ما جرى فى الأيام الأخيرة، فى بلاد تعتبر موئل أول إنسان عاقل فى التاريخ، من احتجاجات «نادرة» ترافقت مع سقوط ضحايا، يشى بتحولات قد تعيد أديس أبابا إلى سنوات الظلام.
منذ الخامس من أغسطس الحالى، أخذت تتدهور الأوضاع فى إثيوبيا، بفعل قيام احتجاجات فى مناطق عدة، تطالب بإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الحكومة فى أديس أبابا، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وتوزيع عادل للثروة، وغيرها من المطالب الاقتصادية والاجتماعية. وبعد نحو أسبوع من الاحتجاجات والمواجهات بين السلطات والمعارضين، اعترفت الحكومة بمقتل سبعة أشخاص، فيما ذكرت «رويترز» أنه تم إحصاء سقوط 90 قتيلا، بينما تتحدث المعارضة عن سقوط 400 قتيل.
لا تتوقف أبعاد الاحتجاجات عند هذا الحد، فالمعارضون ينتمون إلى أكبر مجموعتين عرقيتين فى إثيوبيا، أورومو وأمهرة المعترضتين على حكم الأقلية التيغرية، وفى حال اتحادهما معا ضد حكم التيغرى، سيشكلان قوة لا يستهان بها، يسمح لها بتغيير الحكم فى إثيوبيا، إلا أن الأوضاع لم تصل إلى هذا الحد بعد. ذلك أن السلطات الإثيوبية الحالية، لاتزال تتمتع بتأييد أطراف مؤثرة من الأوروميين والأمهريين، من دون أن يعنى ذلك، قدرتها على ضمان ولائهم لوقت طويل، ما لم تحقق بعض المطالب، وربما قد يكون أهمها، تصحيح الوضع الإدارى لمقاطعة وولكايت، المهمة اقتصاديا، التى يطالب الأمهريون بعدم دمجها مع مناطق للتيغريين، لأنها ستسمح بتحولها لمعقل لهم، مع تجاهل حقوق الأمهريين.
الاحتجاجات الأخيرة ليست الأولى من نوعها، إذ سبقتها احتجاجات مماثلة على مدى السنوات الماضية، آخرها فى نوفمبر الماضى. فى الواقع، بدأت الأمور تتضح مع وفاة رجل إثيوبيا القوى، ميليس زيناوى، عام 2012، وبدأت تتفكك بعده المنظومة الحديدية، التى بناها، فى الحرب الأهلية، ثم فى الحياة السياسية، تحديدا لناحية تزايد انتقادات المواطنين ومواجهتهم قوات الأمن.
***
بالنسبة إلى إثيوبيا، فإن الأحداث الحالية، تطرح وضعية مختلف الملفات المتصلة بدول الجوار. فى الأساس، تعمل أديس أبابا على إنجاز سد النهضة، المفترض أن يضع حدا لكل مشاكل الرى فى البلاد، فضلا عن تطوير الاقتصاد الزراعى، كما أن العلاقة مع إريتريا، لم تتحسن قط، لا بل إن ظروف المعارك والحرب جاهزة فى كل لحظة، ولايزال اشتباك يونيو الماضى، ماثلا فى الأذهان. عدا ذلك، فإن لإثيوبيا، مهمة مشتركة مع كينيا، فى مكافحة «حركة الشباب» الصومالية، وفى حال انشغال أديس أبابا باضطراباتها الداخلية، فقد تجد الحركة سبيلا لتنفيذ المزيد من الهجمات والاعتداءات، على إثيوبيا وكينيا معا.
عدا ذلك، فإن الأمريكيين، أضحوا على الخط، مع تعبير الولايات المتحدة، عن «قلقها البالغ لتطورات الأحداث فى إثيوبيا»، كما دعت السفارة الأمريكية فى أديس أبابا إلى «احترام الحقوق المكفولة من الدستور الإثيوبى لكل المواطنين»، وتهتم الصين بالوضع الإثيوبى، لكونها الشريك التجارى الأول (تصدر إثيوبيا 13 فى المائة من بضائعها إلى الصين، وتستورد 15.3 فى المائة من احتياجاتها منها).
لا يبدو أن الأوضاع ستهدأ قريبا، مع تنامى موجة الاحتجاجات، وتزايد الاهتمام الإقليمى والدولى، ويلخص مؤسس موقع «أوبرايد» الإلكترونى، الإثيوبى محمد أديمو، ما يجرى بالقول إن «ما يحدث حاليا فى البلاد ربما يسفر عن سقوط الحكومة»، مضيفا «لم أر مثل هذه الاحتجاجات من قبل فى حياتى. ربما المثال التاريخى الأقرب هو الثورة التى انتهت بسقوط آخر إمبراطور إثيوبى هيلا سيلاسى (فى عام 1974)».