أخبرنى دبلوماسى رفيع المستوى أنه فى أعقاب ثورة 25 يناير طغى شعور جارف على المصريين المهاجرين بأن المجال صار متسعا أمامهم للمساهمة فى خدمة وطنهم، ولكن ما لبث أن تلاشى هذا الشعور ليس فقط لدى المصريين فى الخارج، ولكن أيضا داخل مصر عندما بدأت حكومة الدكتور عصام شرف بأدائها المترهل، الباهت، والمتردد فى وأد الروح المرتفعة التى رافقت الثورة المصرية.
التقيت منذ أيام فى لندن فى اجتماع مصغر دسم بعدد من رجال الأعمال المصريين فى بريطانيا، وبعض مسئولى السفارة المصرية تحت مظلة «اتحاد المصريين فى أوروبا»، الذى يرأسه الدكتور عصام عبدالصمد. دار الحديث حول إسهام المصريين فى الخارج فى تحديث مصر. لا أنكر أن الإحباط كان سائدا، والسبب أنهم حاولوا مرارا وتكرارا مع جميع المسئولين، بدءا من الرئاسة، مرورا بمجلس الشورى، وانتهاء بالحكومة، وقدموا مقترحات، وتصورات لتمويل تحديث بعض جوانب العمل فى مجالات كثيرة، لم يستمع إليهم أحد، ولم يعطهم أحد فرصة بأن يكون لهم ممثلون فى مجلس النواب، ليس هذا فحسب، وكما انتزعوا حقهم فى التصويت فى الانتخابات بحكم قضائى بعد الثورة، يخوضون اليوم معركة مماثلة أمام القضاء للحصول على الحق فى التمثيل النيابى. مأساة أن يحصل المصريون فى الخارج على حقهم فى التمثيل فى المجلس التشريعى عن طريق القضاء دون أن يكون هناك إيمان من النظام السياسى بأهمية دور المهاجرين فى بناء المجتمع المصرى، ولنا فى تونس أسوة حسنة، وهى التى خصصت مقاعد للمغتربين فى أول مجلس نيابى تأسيسى يضع دستور البلاد ضمن مهامه.
أحدهم قال لى «نحن مشكوك فى ولائنا»، عبارة قاسية، قالها وهو رجل أعمال وطنه يحتاج إليه أكثر من احتياجه هو له، وآخر قال لى: نريد أن نرى مصر متقدمة مثل الدول التى نعيش فيها. لا يمكن أن تتقدم مصر دون دور للمصريين فى الخارج. منهم العالم، والخبير، ورجل الأعمال، والمهنى، تقدرهم مجتمعاتهم التى يعيشون فيها أكثر ما يقدرهم وطنهم.
الصيغة القائمة ينبغى أن تتغير. المصرى فى الخارج ليس هو فقط «مصدر العملة الصعبة»، لكنه أيضا أحد مصادر التفكير، والتغيير، والإبداع فى تغيير المجتمع إلى الأفضل. هؤلاء لولا أن حب البلد فى أعماقهم لما آلمهم بشدة انسداد أفق مشاركتهم فى تطوير وطنهم رغم التقدير المادى والأدبى اللذين يتمتعان بهما فى الخارج. ويكاد يكون أداء النظام الحالى معهم لا يختلف مع ما كان يفعله نظام مبارك.
لم يٌمثل المصريون فى الخارج فى وضع الدستور، ولم يُختر أى منهم فى أى موقع بما فى ذلك تعيينات مجلس الشورى، ولم يجد أحدهم مكانا فى أى موقع تنفيذى سواء فى رئاسة الجمهورية أو فى الحكومة، فقط نفتخر بزيادة تحويلاتهم النقدية تضامنا ومساندة لمحنة وطنهم الاقتصادية.