«ذا فويس كيدز».. بريق الموهبة - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 7:31 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«ذا فويس كيدز».. بريق الموهبة

نشر فى : الجمعة 15 يوليه 2016 - 9:15 م | آخر تحديث : الجمعة 15 يوليه 2016 - 9:15 م
أعترف أننى منذ سنوات طويلة، جدا، لم أتابع أى برنامج فنى للمواهب، ربما أكثر من عشر سنوات وربما أزيد، وقد فوجئت بنفسى أتابع بشغف كبير إعادة حلقات برنامج «ذا فويس كيدز» (الأسبوع الماضي) الذى أذيعت حلقاته للمرة الأولى خلال شهرى يناير وفبراير من العام الحالى. لم أكن أنتظر ولا أتوقع بأى حال أن يشدنى برنامج مهما كان بمثل هذا الشغف والانبهار.

أحببت برنامج «ذا فويس كيدز» جدا، وتفاعلت معه بصورة أدهشتنى، تابعته واهتممت بتفاصيله، مبهورا بالمواهب الممتازة الصغيرة (تتراوح أعمارها بين 7 و 15 سنة)، معجبا بأصواتها وأداءاتها، ووجدتنى على غير ما أتوقع ولا أنتظر كلما سنحت الفرصة أعدت مشاهدة حلقة أو اثنتين أو أستمع إلى مقاطع لأغنيات أداها المتسابقون الصغار المبهرون، لم تعد المشاهدة متعة فقط ولا تسلية، بل صارت دون أدنى مبالغة (على الأقل بالنسبة لى) إحدى الوسائل العلاجية للتخفف من الضغط العصبى وتقليل التوتر والإرهاق الذهنى والتخلص من إيقاع العمل اليومى المتسارع والضاغط.

10 حلقات تمت إذاعتها عقب عيد الفطر على إحدى القنوات الفضائية، بمعدل حلقة يوميا، لكنها كانت فى الحقيقة وجبات جميلة ورائعة من الطرب والفن والبراءة وخفة الظل والموهبة البكر، أداءات المدربين الثلاثة، وهم نجوم كبار ومشهورون، كانت من الطبيعية والبعد عن الافتعال والتكلف (باستثناءات طفيفة) لدرجة مذهلة، نجحوا فى أن يصلوا إلى قلوب الأطفال وأن يتفاعلوا معهم، والأهم هو أن جمهور المشاهدين والمتابعين كان تفاعلهم كبيرا وصادقا، وكانت الاستجابات العفوية المدهشة أشبه بمشاهدة مباريات كرة القدم فى منافسات البطولات العالمية والقارية، تنفعل حماسا وتأييدا لهذا الاختيار، وتنفعل غضبا واعتراضا على تفويت اختيار آخر، تقفز من السعادة وتصفق بكلتا يديك وأنت ترى طفلة موهوبة فى الثانية عشرة من تونس تغنى مقطعا من أغنية «برضاك يا خالقى» للسيدة أم كلثوم، فيشتعل المسرح إعجابا بصوتها الجميل المذهل.

أحببت أداء كاظم الساهر الرصين الجاد واحترمت ثقافته وخبرته الموسيقية العريضة، يبدو فى أوقات من البرنامج كأنه أقل المدربين حيوية وحركة ومشاعر، فجأة ينشط ويقتنص الموهبة الصغيرة وتتجلى كاريزمته ومواهبه الإقناعية (مثلا مع الموهبة المتألقة نور قمر من تونس والعراقية تارة مونيكا والسورى عبدالرحيم الحلبى)، تجلت خبرته الأصيلة فى إنه كان المدرب الأطول نفسا والأظفر بأحلى صوت.

وللمشاهد المدقق سيكتشف أن فريق كاظم كان يضم على الأقل 3 أصوات واعدة كلها كانت تستحق الوصول للمواجهة الأخيرة، لكن ولأنه أستاذ موسيقى محترف وخبرته كبيرة استطاع أن يصل لتنويعة وتوليفة خاصة تحقق أكبر قدر من النجاح والهدف من البرنامج، فأتاح لكل صوت المساحة التى تحقق له نجاحا وشهرة فى حدود سنه وإمكاناته وطاقاته الصوتية والأدائية، وساهم فى الكشف عن الموهبة الكبيرة اللبنانية لين الحايك (12 سنة) التى أدت بصورة لا يمكن أن تصدق أبدا أن هذا أداء طفلة فى هذه السن.

وكذلك نانسى عجرم من الصعب أن تتغاضى عن حضورها وروحها الطفولية، وستفاجأ بذكائها وتعاملها مع الأطفال وحلاوة صوتها فى التدريب، وستكتشف أيضا جانبا لا يراه الجمهور خلف الكواليس، قوة الشخصية والحزم فى التعامل فى أوقات التدريب مع المواهب الشابة.

أما تامر حسنى فرغم أنه كان أكثرهم شعبوية، وبدا الفارق فى الثقافة بينه وبين كاظم مثلا، والأناقة فى الكلام مقارنة بنانسى، لكنه استطاع بذكاء يحسب له أن يقلل هذه المساحات والفجوات بروحه المرحة وحيويته اللافتة وبتعامله الصادق مع الأطفال وبمشاعره الحميمة فى المواقف الصعبة.. نجح تامر بنسبة 60 أو 70 فى المائة فى اقتناص أصوات حلوة وتوظيفها وإن كان خانه ذكاؤه فى بعض مواقف ومراحل البرنامج الأخيرة.

إجمالا، يمكن القول بأن هذا البرنامج أعاد اكتشاف أغنيات جميلة أدتها مواهب من الأطفال أحيانا أفضل من مطربيها الأصليين، أعاد «ذا فويس كيدز» من خلال اختيارات المدربين الكشف عن أغنيات رائعة وألوان غنائية مختلفة تراكمت عليها السنون ولم يكن يتذكرها أحد، الطفلة العراقية الموهوبة ميرنا حنا أدت موال «البارحة» بأداء أحلى من كاظم نفسه عندما غنى الموال قبل أكثر من عشر سنوات فى إحدى حفلاته، والثلاثى «ميرنا» و«تارة» و«محمد» أدوا أغنية «ميحانة» بأداء أجمل من ناظم الغزالى نفسه؛ روحا وتوزيعا وغناء.

وجويرية حمدى فى «قال جانى بعد يومين» لسميرة سعيد، وزين عبيد فى «شو بيشبهك تشرين»، ولين الحايك فى «أبعاد كنتم ولا قريبين» لمحمد عبده.. كانوا أكثر من رائعين وهم يؤدون هذه الأغنيات الصعبة بموهبة من ذهب وأصوات عذبة جميلة.

أما المثال البارز والكاشف على ما أقول فكان أداء الأطفال الثلاثة «أحمد السيسى» و«يوسف فرج» و«مروان طارق» من مصر لأغنية «ما بلاش اللون ده معانا» لعدوية وبعدما أعيد توزيع ثلاثة كوبليهات منها لتناسب الأطفال وتكشف عن مساحات أصواتهم. فى رأيى أن هؤلاء الأطفال الثلاثة غنوها بأحلى وأجمل وأمتع مما غناها عدوية نفسه، وبخفة ظل وروح جميلة على المسرح، انبهر الجمهور بأدائهم وتفاعل معهم بحماس، وبسبب روعة أداء الأطفال، انتشر البحث عن أصل الأغنية على «يوتيوب».

أعاد الأطفال الثلاثة إحياء الأغنية وجعلوها تنتشر من جديد بعدما غنوها بطريقة جميلة ورايقة وحلوة.. يحسب لمدربهم تامر حسنى هذا الاختيار وذكائه البالغ فى متابعة أداءات الأطفال على المسرح، وملاحظاته الدقيقة التى أبداها لهم قبل ظهورهم على المسرح، عندما يكون المدرب ذكيا و«فاهما» يستطيع أن يكشف عن مناطق ومساحات جيدة فى الصوت الذى يدربه.

لفت نظرى بشدة التجاوب الكبير والنقلة النوعية فى أداء الطفل «مروان طارق» مثلا، هذا صوت فنان شعبى أصيل من الدرجة الأولى، كان أداؤه مهتزا ومرتبكا فى المرحلة الأولى «الصوت وبس»، لكن التقطه تامر حسنى، شعر بأنه صوت جيد وخامة طيبة ويستطيع أن يخرج منه بشىء جيد، هكذا قال بالحرف «حسيت إنى ممكن أخرج منه حاجة أو أقدر أخرج منه حاجة كويس»، ونجح فى هذا فعلا وباقتدار.

تغير الولد مائة وثمانين درجة على المسرح، مع زملائه، أداء واثق محترف علق عليه كاظم بأنه «يتحكم فى صوته بالطريقة التى يريدها»، يؤدى على المسرح وكأنه يؤدى منذ سنوات رغم أنه لم يغن عليه سوى مرة واحدة! كان فى ظنى أحسن الثلاثة لولا أن روحه على المسرح لم تكن بخفة زميليه الآخرين.

لكن هذه التجربة الصغيرة أكدت لى ما أؤمن به من أن الطفل فى هذه السن يستطيع الإتيان بالمعجزات فقط إذا وجد من يدعمه ويشجعه ويعطيه الثقة فى نفسه، البراءة الكامنة فى نفوس هؤلاء الأطفال ليست طاقة سلبية بل على العكس هى «خميرة» و«ذخيرة» إذا أحسن استغلالها تتحول فى لحظات إلى منجم إبداع ضخم وإنجازات كبيرة ومواهب لها بريق من ذهب.. بريق حقيقى وليس زائفا.