التاريخ لا يعرف (لو).. هكذا علمنى أستاذى الراحل د. رءو ف عباس، لكن (لو) بالرغم من ذلك تظل مغرية، ومثيرة.. ويا سلام إذا جاءت بعد ماذا! ساعتها يصبح الإغراء أكبر.
و لا مفر من الغواية فهى التى قادتنى وأنا أبحث فى أمر يخص تاريخ الجامعة المصرية لشخصية مثقف مصرى مثير للجدل هو أحمد لطفى السيد، أستاذ الجيل الذى لم يعد يتذكره أحد.
و لعل أكثر ما أثارنى فى سيرته الحافلة بالعطاء إيمانه الكبير بمسألة استقلال الجامعة المصرية وهى اليوم على المحك شأنها شأن الكثير من القضايا المرتبطة بالمؤسسات التى كانت عنوانا لحداثة الدولة المصرية وتميزها، لكن ما شغلنى أكثر أن أستاذ الجيل فعلها ورفض عرضا من جمال عبدالناصر برئاسة مصر عقب يوليو 1952 ولولا أن الأستاذ محمد حسنين هيكل أكد صدق هذه المعلومة فى حواره مع يوسف القعيد ضمن كتاب (محمد حسنين هيكل يتذكر عبدالناصر والمثقفون والثقافة / الصادر عن دار الشروق) لفقدت قيمتها تماما.
سأل القعيد الأستاذ هيكل: ما حكاية عرض جمال عبدالناصر على «لطفى السيد» رئاسة مصر من خلالك وأجاب هيكل: كان الهدف النهائى هو الديمقراطية، ولهذا كان البحث موجَّها إلى رمز لها يطمئن إليه الجميع.
فى هذا الوقت طلب منى جمال عبدالناصر إلى أحمد لطفى السيد، وربما يكون قد أرسل إليه بواسطة أخرى وأنا لست متأكدا من هذه النقطة، ولكننى أنا الذى ذهبت إليه برسالة من جمال عبدالناصر. أنا ذهبت إلى لطفى السيد فى بيته فى أواخر 1954 وأوائل 1955، وحتى هذه اللحظة كان محمد نجيب على وشك الخروج من السلطة، قلت للطفى السيد «أنا قادم لك برسالة».. وكان آخر منصب له هو وزير خارجية صدقى واستقال منه وقت مفاوضات «صدقى ــ بيفين».
ويتابع هيكل (نقلت إليه الرسالة، وإن كنت لا أذكر الكلمات والألفاظ التى استخدمتها بالضبط، ولكن نقلت له اقتراح جمال عبدالناصر بأن يتولى رئاسة الجمهورية.. الحقيقة أنه كان واضحا جدا، قال لى: كل واحد يتصدى لعمل عام ينبغى أن يبقى لتحمل مسئوليته، أنا رجل فى نهاية عمرى، ليست عندى الصحة للدخول فى عمل جديد وتجربة جديدة تبدأ الآن بالكاد.
يسأل القعيد: ألم يطلب فرصة للدراسة والتفكير؟ ويجيب هيكل: كان رده فوريا، وفى الجلسة نفسها قال لى بابتسامة ظريفة: أنا بدأت عمرى بتجربة دخلنا فيها كلنا، وأنا الآن فى أواخر عمرى ولا أستطيع أن أتصور نفسى بادئا وداخلا فى تجربة جديدة، هذا أولا، أما ثانيا، إن كل إنسان نهض بمسئولية عمل عام، عنده هو وليس عند غيره تصور كيف يكملها؟
وفى كتابه: (أعلام مجمع اللغة العربية) ذكر الشاعر الراحل محمد الحسينى المعلومة نفسها، لكنه اعتمادا على أرشيف المجمع ذكر اسم وسيط آخر هو الضابط لطفى واكد الذى أوفده عبدالناصر لنقل رغبته ولكن لطفى السيد «رفض» وذكر أنه رد قائلا إن «هذه الثورة قامت بها العساكر ويجب أن يكون رئيس الجمهورية عسكريا ومادام عبدالناصر قاد الثورة فيجب أن يترأسها.. ولست أقبل أن أكون طرطورا فى رئاسة الجمهورية. إننى أفضل أن أبقى جالسا على الكرسى الذى أجلس عليه الآن فى مكتبى بالمجمع اللغوى وأنهى حياتى بطريقة طبيعية على أن تنهى حياتى بطريقة غير طبيعية».
حققت إرادة الله رغبة الأستاذ ومات فى الظل بعيدا عن الصراعات، باستثناء الفكرية منها، لكن الله لم يقف معنا كما وقف معه فترك لنا هم السؤال ورزالته: ماذا لو قبل أستاذ الفلسفة رئاسة مصر؟ هل كان سيبنى مصر أخرى غير التى نعرفها؟
هل كانت ستصبح أكثر حداثة وديموقراطية وتكون دولتها مدنية حديثة يقوم دستورها على اسس حقيقية للمواطنة تسمح بتداول السلطة وتكون السيادة فيها لشعب حر ومستقل؟ وأن تكون الكفاءة وحدها هى معیار الاختیار فى الوظائف الرئیسیة؟... الله أعلم.. يمكن!