خبر نشرته الصحف، ولكن لم يناقش بجدية رغم أهميته القصوى. الخبر يقول إن الرئيس عبدالفتاح السيسى عقد اجتماعا مع رئيس الوزراء ووزير الاتصالات ورئيس هيئة الرقابة الإدارية بهدف مناقشة مشروع قواعد البيانات المتكاملة الذى تنفذه وزارة الاتصالات بالتعاون مع الوزارات الأخرى، بهدف تأسيس بيئة معلوماتية وتكنولوجية قادرة على استيعاب قواعد البيانات القومية.
الخبر مهم حيث يشكل تضاربا وتشرذما وتبعثر المعلومات عقبة أساسية أمام رسم سياسات عامة قادرة على تحقيق المبتغى منها، لأن السياسات العامة توضع لمواجهة مشكلة أو أزمة، فإن لم تكن قواعد البيانات صحيحة، فسوف تنفق الموارد دون أن تحل المشكلة، وربما تتفاقم. وبالطبع الموارد محدودة، وبالتالى ينبغى انفاقها فى وجوهها الصحيحة.
المعلومات أيضا تساعد على وضع خطط جيدة، إن لم تكن هناك معلومات متكاملة محدثة، يصعب ممارسة التخطيط، لأن المسألة ببساطة تقوم على وضع «هندسة اجتماعية»... خطوط على ورق، ينبغى أن تكون متوافقة مع المعلومات، حتى تتحول فى وقت لاحق الخطط إلى سياسات ثم إلى برامج لها عوائد يمكن قياسها.
المعلومات أيضا تساعد على رسم خريطة للفئات الاجتماعية، من هى الطبقات الاجتماعية التى فى حالة سيولة الآن: العليا، الوسطى، الفقيرة، ما هى نوعية السياسات التى تناسب كل منها؟ الظاهر إلى الآن غياب المعلومات الدقيقة، التى يمكن مع هذا المشروع أن تتحقق، ونعرف على وجه الخصوص حجم كل طبقة اجتماعية، خاصة بعد أن ألم بالمجتمع هزات اجتماعية شديدة، وبات واضحا أن نعيد النظر فى الخريطة الاجتماعية للمجتمع.
المعلومات أيضا تساعد على الحد من الروتين والفساد والبيروقراطية، مثلما يحدث فى الدول المتقدمة، من خلال الرقم القومى للمواطن تعرف بيانات لست بحاجة إلى أن تجوب المكاتب الحكومية للحصول على شهادات لإثباتها، ويساعد أيضا على تسهيل المصالح اليومية للمواطن الذى يعانى الأمرين فى التعامل مع البيروقراطية.
المعلومات كذلك وجودها بالدقة والحداثة يطمئن المستثمر، وهو ما يحتاج إليه فى وضع برامجه ومشروعاته يستند إلى معلومات، ولا يحتاج إلى المغالاة فى الانفاق على دراسات جدوى، ولا يحتاج كذلك إلى الدخول فى مناطق بلا معلومات صحيحة.
المجتمع الحديث هو مجتمع معلومات لا أكثر، المعلومة فى ذاتها «قوة» تمتلكها الدولة، خاصة إذا كان استخدامها فى تحقيق رفاهية المواطن، ومساعدته على تحقيق أفضل، وليس لإحكام السيطرة عليه، وهو ما يتطلب صدور قانون ينظم حرية تداول المعلومات، الذى سبقتنا إليه دول كثيرة، لا تختلف كثيرا مع مصر من حيث الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية العامة، وهو ما يجعل المعلومات متاحة، والتعامل مع «الحساس» منها بالطريقة القانونية التى تتعامل بها الدول الأخرى، ويرتبط أيضا بذلك حرية البحث العلمى، والحصول على البيانات التى تساعد على انتاج دراسات تصب فى النهاية فى تنمية وتطوير المجتمع، وحرية النقاش العام فى المجتمع الذى يستند إلى معلومات وليست إلى آراء فضفاضة أو عبارات شائعة دون دليل أو بينة، مما يعوق تقدم النقاش ذاته، ويجعل الناس تدور فى حلقة مفرغة.
يبدو أن الموضوع عناصره عديدة، لكنها متشابكة، المعلومات، وحرية تداولها، والنقاش حولها، والاستناد إليها مسألة أساسية فى بناء المجتمع الحديث.