منذ عامين وبعد صدور القانون السابق رقم 70 لسنة 2017 لتنظيم العمل الأهلى كتبت مقالا ــ أو بالأحرى رسالة ــ إلى المواطن المصرى الذى يعمل (أو سيعمل) فى مؤسسة مجتمع أهلى ستنشأ (أو منشأة فعلا) يمكن أن يكون هذا المواطن مؤسسا لجمعية، أو عضوا لمجلس إدارتها، أو موظفا بها، أو متبرعا لها سواء بشخصه أو بشركته مقيما فى مصر أو خارج مصر. (ويسرى على المؤسسات الأهلية أحكام القانون المقررة للجمعيات). وبدأت الرسالة بهذه المقدمة: «عزيزى المواطن: إذا كنت تعتبر أن عملك فى المجال الأهلى هو الذى يعطى لحياتك معنى وهدفا وليس فقط وظيفة، فاسمح لى أن أقدم لك بعض ملامح تغيير هذه الحياة بعد صدور قانون ينظم عمل جمعيتك...». وعددت حينذاك المآخذ العديدة التى وجدتها فى القانون. وعلى مدى ثلاث مقالات سوف أوجه رسالة ثانية إلى المواطن نفسه أزف إليه محاسن القانون الجديد الحالى رقم 149 الذى صدر فى 19 أغسطس 2019، عن طريق عقد مقارنة بينه وبين القانون السابق رقم 70 لسنة 2017، ولكن أيضا مع ذكر تحفظات وتعليقات عليه والتى آمل أن تتداركها اللائحة التنفيذية للقانون بالتوضيح والتيسير بدون الإخلال بأحكام القانون.
***
عزيزى المواطن العامل فى ــ أو مع ــ مؤسسات المجتمع الأهلى:
إذا كنت قد توجست خيفة من القانون السابق وكان يراودك شعور بأنك عدلت عن فكرة الدخول فى مجال العمل الأهلى أو تود حل جمعيتك المنشأة بالفعل وتترك المجال تماما وتساعد فى غلق الباب الذى يأتى لك منه الريح ــ فأود أن أبشرك بأن القانون الجديد أتى لك ببارقة أمل تشجعك على الدخول فى هذا المجال أو استكمال ما بدأته؛ فالقانون الجديد رقم 149 لسنة 2019 يحقق لك انفراجة، إلى جانب أنه تلافى أهم أخطاء القانون رقم 70 لسنة 2017. وسوف أبرهن لك على هذا بمقارنة بعض مواد القانون مع مثيلاتها فى القانون السابق.
النواحى الإدارية
بداية، لو كنت تريد تأسيس جمعية جديدة، فسوف تقوم بإخطار الجهة الإدارية (وزارة التضامن) بشرط استيفاء كل المستندات المنصوص عليها فى القانون (مادة 2 من القانون). أما إذا كنت تعمل فى جمعية حالية فالخبر السار أنك مطالب بتوفيق أوضاعك خلال سنة من تاريخ العمل باللائحة التنفيذية بدلا من توفيق الأوضاع بعد سنة من صدور القانون مثلما كان الحال فى القانون رقم 70. وهذا الشرط كان يعيق الجمعيات لأن اللائحة التنفيذية هى خارطة الطريق التى تحدد تفاصيل عمل الجمعيات فكان من الصعب جدا توفيق الأوضاع بعد القانون مباشرة. ويركز القانون على أهمية توفيق الأوضاع وفقا لأحكامه وإلا قضت المحكمة المختصة بحل الجمعية (أو المؤسسة أو المنظمة الإقليمية أو الدولية أو الاتحاد) وتؤول أموال الجمعية إلى صندوق دعم الجمعيات والمؤسسات المنصوص عليه فى القانون المرافق. (المادة الثانية من مواد إصدار القانون).
وأثناء الفترة بين صدور القانون فى أغسطس 2019 وصدور اللائحة التنفيذية خلال ستة أشهر، أى حتى فبراير 2020، سوف يستمر مجلس الإدارة أو مجلس الأمناء فى مباشرة أعماله حتى يتم إعادة تشكيله وفقا لأحكام هذا القانون. وإلى أن تصدر هذه اللائحة يستمر العمل باللائحة التنفيذية لقانون 84 رقم لسنة 2002 والقرارات القائمة بما لا يتعارض مع أحكام القانون الجديد، وذلك لأن القانون رقم 70 لم تصدر له لائحة تنفيذية حتى تاريخ إلغائه. وهذا يعنى أن أى حكم مخالف فى اللائحة الحالية لأحكام القانون الحالى رقم 149 لا يتم العمل به.
***
وبمناسبة الحديث عن مجالس الإدارة ففى حين كان الحد الأدنى لأعضاء مجلس إدارة الجمعية فى القانون رقم 70 هو سبعة أعضاء وأول تعيين مجلس إدارة يكون عن طريق جماعة المؤسسين لمدة سنتين، خفض القانون رقم 149 الحد الأدنى للأعضاء بخمسة ومد مدة أول تعيين لمجلس الإدارة لأربع سنوات. (مادة 37). وإذا كنت عضو مجلس إدارة، أجاز القانون لك الجمع بين عضوية مجلس الإدارة أو مجلس الأمناء وبين العمل فى وزارة التضامن أو غيرها من الجهات العامة التى تتولى الإشراف عليها أو الرقابة على مؤسسة العمل الأهلى أو تمويلها إذا رخص رئيس مجلس الوزراء بذلك لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة. لم يمنح قانون رقم 70 هذا الاستثناء.
أما لو كنت تعمل فى أى جهة أو كيان يمارس العمل الأهلى أو أى نشاط مما يدخل فى أغراض الجمعيات وغيرها من مؤسسات المجتمع الأهلى الواردة فى القانون، مثل عملك فى مكاتب محاماة أو فى شركات القطاع الخاص التى تقوم بأنشطة عمل أهلى أو التى بها إدارات مسئولية مجتمعية تقوم بتلبية احتياجات شرائح من المجتمع تتماشى مع أولويات العمل المجتمعى الذى تتفق عليها شركة القطاع الخاص، فعليك توفيق أوضاعك وفقا لأحكام هذا القانون (مادة 30). ففى حالة إدارات المسئولية المجتمعية داخل الشركات، يجب عليها إنشاء جمعية أو مؤسسة تقوم بتنفيذ برامجها من خلالها.
ولو كنت تعمل فى جمعية تأخذ صفة النفع العام (وهى الجمعيات التى تهدف إلى تحقيق مصلحة عامة عند تأسيسها أو بعد تأسيسها، بقرار من رئيس مجلس الوزراء أو من يفوضه)، أضافت المادة 56 ميزة لم تكن موجودة فى القانون رقم 70 وهى «إمكانية تخصيص مقرات أو أراضى مملوكة للدولة لها».
***
ومن أهم مآثر القانون الجديد مطلب كان من أهم مطالبك عزيزى المواطن أثناء حضورك جلسات الحوار المجتمعى لمناقشة تعديل أو إلغاء القانون رقم 70 وهو إلغاء «الجهاز القومى لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية» والاكتفاء بوزارة التضامن كجهة إدارية مختصة. تكمن أهمية إلغاء هذا الكيان الذى كان مستحدثا فى القانون السابق أن «الجهاز» كانت له صلاحيات واسعة جدا جعلته فوق الجهة الإدارية المختصة مثل أنه كان يجب الحصول على موافقات وتصاريح منه فى كل أعمال المنظمات الأجنبية وأحيانا فى أعمال الجمعيات المحلية وكان تشكيل أعضائه يشى بالطابع الأمنى الشديد.
أما إذا كانت جمعيتك تريد التعاون مع كيانات أخرى فى العمل الأهلى بأى صورة من الصور، فإن ذلك يكون بإخطار وزارة التضامن لو كان الكيان (جمعية، مؤسسة، هيئة أو منظمة) محلية، وترخيص من الوزارة وموافقة وزير التضامن لو كان الكيان أجنبيا. واللائحة التنفيذية سوف تنظم ضوابط التعاون، بما فيها توضيح أن الكيان الأجنبى هنا هو المقصود به ذلك الذى ليس معتمدا من وزارة التضامن حيث أن ذلك الذى لديه تصريح بالعمل فى مصر يعامل معاملة الجمعية المصرية (وعدد هذه الكيانات 70 منظمة). كما سوف توضح اللائحة المدة التى ترد فيها الوزارة على طلب الترخيص، والمستندات المطلوبة (مادة 19). وقد كان القانون السابق رقم 70 يشترط الحصول على ترخيص «الجهاز» للتعاون مع الجهات المحلية والأجنبية. وكانت الجمعية مهددة بالحل إذا لم تحصل على موافقة «الجهاز» بالتعاون مع الجهات الأجنبية.
وفى حين كان يلزم تصريح من «الجهاز» فى القانون رقم 70 فى حالة رغبة جمعيتك فتح فروع لها خارج جمهورية مصر العربية، أصبح الوزير المختص، وزير التضامن، هو الذى يمنح التصريح والوزارة تبلغ وزارة الخارجية التى بدورها تبلغ سفارتها بالخارج (مادة 20).
هذه إيجابيات بعض الأمور الإدارية للقانون الجديد. وفى المقال القادم، سوف أتناول ايجابيات بعض الأمور المالية له.