التصريحات التى تصدر هنا وهناك عن أعضاء مجلس النواب تكشف عمق الأزمة التى تعانى منها المؤسسة التشريعية، وهى مسألة كانت ماثلة للأذهان منذ فترة، وتحدث عنها كثيرون مبكرا، ولكن لم يلتفت إليهم أحد.
المستقلون الأكثر عددا بالبرلمان، وهؤلاء لا يرتبطون بأى كيان سياسى يجمعهم، وإن كانت هناك دائما دعوات لتشكيل وعاء يضمهم داخل المجلس النيابى.
الأحزاب السياسية ضعيفة، فهى لم تحصد الكثير من المقاعد، وهناك علامات استفهام حول قدرتها على ضبط سلوك أعضائها، وتحقيق المعنى المقصود بالالتزام الحزبى، ولاسيما أن كثيرا منهم أنضم إليها قبيل فتح باب الترشيح، وليسوا من كوادرها الأصلية، أو المؤمنين بأفكارها، فى مشهد أقرب إلى عملية تجارية سياسية، شراء مرشح، وحزب ينفق على مرشح نظير أن يحمل اسمه، أسوة بما يحدث عندما تعلق الشركات الكبرى شعارها على لافتات المحلات، فلم تكن المحلات التجارية تخص هذه الشركة وحدها، ولن تكون، بل تبحث عن مصالحها فقط، والشركة المعلنة تعلم جيدا أن المحل التجارى يسوق بضاعتها مع بضائع غيرها.
هذه المرة الأولى التى لا يوجد فيها حزب حاكم، فلم تجر الانتخابات فى ظل وجود هذا الحزب، ولا أحد يعرف على وجه اليقين من فى صفوف الموالاة، ومن فى صفوف المعارضة. المشهد مختلط غير مفهوم. ولم تؤد محاولة تشكيل ائتلاف يضم 400 عضوا من أعضاء البرلمان إلى حل هذه الإشكالية، حيث رأى البعض أنها محاولة لبعث حزب وطنى أو حرية وعدالة من جديد، ورأى البعض الأخر أن المسألة تتعلق بمسمى الائتلاف الذى يتعلق بدعم الدولة، وكأن خارج هؤلاء الأعضاء لا يدعمون الدولة أو أن البرلمان ذاته ليس جزءا من مؤسسات الدولة.
مسألة محيرة، تتعلق بترتيب الأوضاع داخل المؤسسة التشريعية، والتى تتطلب أن تكون هناك تكتلات على أسس سياسية، يقودها سياسيون محترفون، ويستطيعون أن يتواصلوا مع المجتمع، والتعبير عن خيارات سياسية واقتصادية واجتماعية معينة.
فى الدول المتقدمة، والمسألة بالمناسبة ليست لها علاقة بالعمر الزمنى للخبرة بل للإدراك السياسى، تمتلك الأحزاب السياسية مؤسساتها التى تقوم بإعداد الكوادر، وتكوينها، وتثقيفها، وتدريبها، بحيث تصبح جاهزة فى أى لحظة لتولى منصب تنفيذى أو تشريعى، تعرف آليات العمل، وتتعود على ممارسة السياسة.
فى حالة مجتمعنا لا نلوم سوى الهندسة القانونية التى آلت إلى تكوين المجلس بلا تكوين سياسى واضح، والمسألة لا تتعلق بنوعية الأعضاء، ولكن فى طبيعة التكوين ذاته، وتوزيع الأدوار، وإمكانية أداء الوظائف المنوط بها داخل البرلمان، وهو ما سوف يجعل المؤسسة التشريعية دائما بحاجة إلى ضبط، وإدارة، وبناء توافقات، وقدرة على تشغيل الماكينة بكفاءة. وقد يكون ذلك مناسبة أخرى، بعد تأمل مشهد المجلس فى تكوينه الحالى، للتفكير فى قانون الانتخاب مستقبلا على نحو يسمح بتقوية الأحزاب، وإفساح المجال أمام تكوين كتل سياسية لها توجهات واضحة، أظن أن هذا سوف يمثل الدعم الحقيقى للدولة.
سـامــح فــوزى