التصريحات واضحة لا لبس فيها. تستعد الحكومة لإعادة النظر فى منظومة الدعم، خاصة فى مجال المواد البترولية، وتحريك أسعار الكهرباء. وهو أمر كان متوقعا منذ أكثر من عامين. لم يستطع نظام «محمد مرسى» المضى فى هذا الطريق، لأن أجواء الانقسام السياسى التى أحاطت بحكمه لم تمكنه من ذلك محليا، فضلا عن أن المؤسسات المالية الدولية كانت دائما تراهن على أهمية التوافق السياسى فى تبنى إصلاح اقتصادى قاس.
رحلة المجتمع المصرى مع الدعم بدأت عام 1945م، أى قبل ثورة 1952م بنحو سبعة أعوام، عندما خصصت الحكومة مليونى جنيه من الموازنة العامة للدعم، ومنذ ذلك الحين أخذ الرقم المخصص للدعم فى الارتفاع، حتى بلغ 132 مليار جنيه، ربع الموازنة العامة للدولة، الجانب الأكبر منه (ما يقرب من ثلاث أرباعه) مخصص لدعم المواد البترولية، بينما يخصص الربع المتبقى لدعم رغيف العيش، والسلع التموينية، وغيرها.
إعادة النظر فى الدعم «فريضة مؤجلة»، أصبحت الآن «فرض عين»، الحكومة لا تحب الدعم لكنها لا تقوى على بعده. تريد إعادة النظر فيه قبل انتخابات الرئاسة ــ حسب تصريحات وزير التخطيط ــ حتى تمهد السبيل أمام الرئيس الجديد، وتستطيع الحصول على قرض صندوق النقد الدولى، الذى يوفر لها فرصة الحصول على قروض ومساعدات أخرى.
رفع الدعم جزئيا أو كليا عن بعض السلع يؤدى إلى ارتفاع اسعارها، وأيضا أثمان سلع أو خدمات أخرى تعتمد عليها، مما يؤدى إلى زيادة معدلات التضخم، واتساع رقعة الفقر والمعاناة الاقتصادية، وتصاعد منسوب التوتر الاجتماعى.
والسؤال: هل للإجراءات القادمة تكلفة سياسية؟. هل تمهد بالفعل السبيل أمام الرئيس الجديد أم تضع مزيدا من العقبات أمامه؟ هل تصحح الأوضاع، وبها الكثير الذى يحتاج إلى تصحيح حتى يصل الدعم لمستحقيه، أم أنها تضيف فى هذا التوقيت عوامل جديدة للالتهاب السياسى؟
من الصعب التنبؤ بما يمكن أن يحدث، ولكن تطبيق إصلاح اقتصادى قاس يحتاج إلى شفافية، وجهاز دولة كفء، ومعلومات محدثة حول الأوضاع السكانية، معدلات الدخول، الفقر، الاحتياجات الأساسية، ومعرفة ما إذا كان الأمر سوف يشمل تحويل الدعم العينى إلى نقدى، أم سيظل دعما عينيا ولكن مع تضييق شرائح المستفيدين منه، وإغلاق الباب أمام غير المستحقين.
نظام مبارك كان يظن أن بقاء الدعم يحافظ على استمرارية حكمه، قالها رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة يوم 16 يناير 2011م، مشيرا إلى أن ما حدث فى تونس لن يتكرر فى مصر باعتبار أن هناك 63 مليون مستفيد من البطاقات التموينية التى تغطى أغلب احتياجات المواطن من السلع الغذائية الأساسية، وأن الحكومة مستمرة فى تحمل ارتفاع فاتورة الدعم.
سقط نظام مبارك رغم حرصه على عدم المساس بالدعم، لأن مطالب العدالة الاجتماعية، والحرية، والديمقراطية ارتفعت. لم يخرج الفقراء على نظامه، بل خرجت فى الأساس الطبقة الوسطى.. اليوم يُعاد النظر فى الدعم، والذى يشكل أحد محاور حوار ساخن يمتد فى المجتمع حول المياه والغذاء والطاقة، دون وجود إلمام بالخرائط الاجتماعية للمجتمع، واستمرار صيحات الثورة مستمرة.