للبحث العلمي صور جميلة بالألوان الطبيعية - ساره راشد - بوابة الشروق
الأحد 16 مارس 2025 9:32 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

للبحث العلمي صور جميلة بالألوان الطبيعية

نشر فى : الأحد 16 يوليه 2023 - 8:35 م | آخر تحديث : الأحد 16 يوليه 2023 - 8:35 م

ثار بركان لابالما فى جزر الكنارى بإسبانيا، فى ١٩ سبتمبر ٢٠٢١، ودمر بيوتا كثيرة بعد أن تم إجلاؤها من سكانها فى مشاهد أشبه بيوم القيامة، تابعها العالم كله على الشاشات.
إلا أن بيتا واحدا ظل صامدا ولم يحترق، وقد غطت الحمم البركانية المنازل من حوله، فى مشهد غاية فى الغرابة تناقلته وسائل الإعلام المختلفة. كانت صورته وحيدا بحديقته الداخلية الزاهية مثيرة للتعجب؛ كيف نجا هذا المنزل ولم يدمره البركان؟
جمحت بخيالى وألهمتنى الصورة أن هذا «المنزل البطل» يصلح مسرحا لعمل فنى. فتصورت أنه فى ليلة اندلاع البركان كانت هناك مجموعة من الأطفال يحتفلون بعيد ميلاد صديقتهم، ولم يتركوا المنزل رغم سماعهم صفارات الإجلاء، وعندما نجا المنزل من الدمار ونظروا حولهم وجدوا أن الجزيرة كلها أصبحت مهجورة وبدءوا فى التعامل مع الصعوبات التى يواجهونها، مثل انقطاع الاتصال والماء والكهرباء. وبأفكارهم الإبداعية وإيمانهم بأن الإنسان عليه أن يسخر الطبيعة لخدمته، بدءوا فى إيجاد حلول لمشاكلهم. تحمست لفكرتى وقمت بصياغتها فى قالب مسرحى للأطفال.. فهذا النوع من الخيال العلمى وما يحمله من حث على الإبداع والابتكار وإيجاد حلول للمشكلات والقدرة على التخلى عن رفاهيات الحياة الحديثة؛ هو مما ينمى خيال الطفل والطفلة وإبداعهما ويجعلانهما أكثر ارتباطا بالعلم والبحث العلمى.
تصورت من بين الحلول التى وجدوها أن خرجت لهم من البحيرة أسماك ذات قرون طويلة؛ لكنها قرون إذا اشتعلت لا تنطفئ أبدا، وهكذا استطاعوا حل مشكلة انقطاع الكهرباء. ثم كانت المفاجأة فى يوم ٥ يوليو ٢٠٢٣، إذا بهذا الخيال يحدث فى الواقع.

• • •

لم تخرج هذه المرة أسماك بقرون طويلة، وإنما بالفعل جادت الطبيعة بثروة خرجت من بطن حوت نافق فى نفس المكان الذى اندلع فيه بركان لابالما. هذا الحوت الذى حمل بداخله كتلة من العنبر تعتبر كنزا ثمينا ويعد تضخمها سببا لنفوق الحوت.
ما كان هذا الكنز المخفى ليكتشف لولا إصرار أنطونيو فرنانديز رودريجيز، رئيس معهد صحة الحيوان والأمن الغذائى فى جامعة لاس بالماس الإسبانية على معرفة سبب نفوق الحوت، فقرر استخراج قولون الحوت وتشريحه. لذلك، سعى معهد صحة الحيوان والأمن الغذائى إلى أن يتم تخصيص الأموال، التى قدرت كقيمة لهذا الاكتشاف من أجل مساعدة ضحايا البركان، وهى حوالى ٥٠٠ ألف يورو.
لابالما ليست المثال الوحيد لاقتران أكثر الأماكن السياحية جذبا بالبحث العلمى الجاد، ففى جزيرة لا ريونيون التابعة لفرنسا بحث علمى متقدم أيضا. وهى واحدة من مجموعة جزر تابعة لسيادة فرنسا بتاريخ استعمارى قديم وهى تقع فى المحيط الهندى جنوب القارة الأفريقية بالقرب من مدغشقر.
تعتبر لا ريونيون مركزا للبحث العلمى لما لها من طبيعة خلابة وظواهر طبيعية مثل الأرض البركانية ومرور الأعاصير بالقرب من موقعها. ومن ضمن أبحاثها العلمية المدهشة ما تم توثيقه فى فيلم عن سلحفاة!
تشتهر المنطقة بالسلاحف العملاقة التى تستخدم فى عمليات بحثية مختلفة وفى أثناء اصطياد سلحفاة منهم علق الطعم والسنارة فى جوفها بينما تخرج من الأعماق، وبالتالى أصبح هذا الأمر يهدد حياتها، مما جعلها تخضع لعملية دقيقة.
وتحت تأثير البنج، تم إخراج الطعم ورعايتها لمدة ٦ أشهر أو يزيد من أجل التعافى الكامل والقدرة على بلع الطعام مرة أخرى. أشرف على رعايتها طلاب المدارس فى إطار تعاون بين مؤسسات البحث العلمى والمدارس لدعم الاهتمام البيئى عند الطلاب.
وإذا بالسلحفاة تتماثل للشفاء من أجل أن تقوم بمهمتها العلمية الخاصة. وهى أن تحمل على ظهرها جهازا قادرا على الاتصال بالأقمار الصناعية بمحطات لاستقبال بيانات مثل قياس درجة الحرارة لتيارات المياه المختلفة التى تعيش فيها السلحفاة فى عمق المحيط. فبواسطة تلك البيانات ــ التى يتم إدراجها فى قاعدة بيانات عملاقة ــ يتم تحديد ما إذا كانت هناك أعاصير محتملة قادمة فى الطريق، أو التنبؤ بتغيرات مناخية متتابعة بصفة منتظمة أو اختفاء أجزاء من اليابسة نتيجة للتغيرات المناخية.. إلخ.
هناك الكثير من الأبحاث العلمية الأخرى التى تتم فى جزيرة لا ريونيون منها الفيزيائية والخاصة بالغلاف الجوى والجيولوجية والبيئية المثيرة للاهتمام بحق. يساعد توثيق تلك الأبحاث من خلال مشاركة الإعلام والصحفيين وطلاب المدارس على خلق بيئة علمية متكاملة.
هذا النوع من البحث العلمى المدعم بالوعى والثقافة المجتمعية بإمكانه أن يقدم حلولا للمشكلات وأن يقدم ثروات حقيقية لبلاده. هذا ليس خيالا قصصيا لكاتب أو مؤلف؛ إنما هو واقع يحدث بالفعل.

• • •

تستقبل الشواطئ المصرية فى أكثر من مرة حيتانا نافقة، ولكن حادثة حوت لابالما تظهر لنا أهمية البحث وراء الأسباب المؤدية إلى ذلك؛ سواء ما يتعلق منها بالتغير المناخى، أو لأسباب أخرى مثل وجود العنبر بداخلها أو حتى عدم وجوده بعدما قتلت من أجل سرقته من أحشائها وعلاقة ذلك بالقوانين التى تمنع اصطياد الحيتان أو قتلها.
فى مصر جزر عديدة خلابة معظمها محميات ومقاصد سياحية، ولكن البحث العلمى على غرار ما يحدث فى جزيرة لا ريونيون الفرنسية أو لابالما الإسبانية هو بحث يقوم به علماء يقيمون فى تلك المناطق الخلابة غير المخصصة للسياحة فقط. إنه بحث علمى بالألوان الطبيعية، من المرجح أن يكون فهمنا للبحث العلمى على أنه شىء جامد يحتاج إلى الاعتكاف فى الغرف المغلقة والمكتبات ولا مكان له بين الطبيعة الساحرة، هو ما يجعل فكرة تحول جزيرة لمركز للبحث العلمى فكرة تبدو بعيدة. مع أن الطبيعة هى الأولى بأن تكون محل البحث والاهتمام، فربما فيها حلول لا نتصورها لمشاكلنا.
إن اعتمادنا على السياحة وحدها يزيد من صعوبة أزماتنا؛ لكثرة ما أصاب هذا المجال من فترات أفول طويلة آخرها الحرب الروسية الأوكرانية.
لا شك أننا نحتاج للاهتمام بالعلم جنبا إلى جنب اهتمامنا بالسياحة.. فإذا أصابتنا أزمة وقل اعتمادنا على سبب منهما، لم نعدم الآخر.. ولنتذكر أن المستقبل للعلم دائما.

مترجمة وكاتبة مستقلة

التعليقات