التعريب السهل - ساره راشد - بوابة الشروق
الأحد 16 مارس 2025 1:10 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

التعريب السهل

نشر فى : الأحد 17 سبتمبر 2023 - 7:15 م | آخر تحديث : الأحد 17 سبتمبر 2023 - 7:15 م

بحثت عن مسوغات موافقة مجمع اللغة العربية على إدخال كلمة ترند إلى المعجم فلم أجد. فبينما كانت هناك مسوغات مقنعة لكلمة «ترويقة» وكلمة «ترويسة».. وكلتاهما مشتقة من كلمات عربية إلا أن كلمة «ترند» ــ الأجنبية تماما ــ هى لجوء غير مبرر للتعريب.
ما الأسباب التى تجعلنا نلجأ إلى التعريب المفاجئ لكلمة لتعجز اللغة العربية عن الإتيان بمرادف لها؟
لا شك أن علماء المجمع هم الأكثر دراية باللغة العربية وتفوقها على اللغات الأخرى بقدرتها على توليد المعانى واشتقاق الألفاظ. فلماذا وافقوا على إجازة هذا التعريب غير المبرر؟
لعلنا أمام هذا التساهل فى التعامل مع الكلمات الوافدة إلى العربية نفتقد قمما عربية أمثال الدكتور نبيل على، الذى أدخل برامج اللغة العربية إلى الكمبيوتر، والذى لم يستسغ مفهوم العالم الافتراضى وفضل استخدام العالم الخائلى (عن كلمة افتراضى مقدما أسباب هذا التفضيل ومدافعا عن وجهة نظره السابقة لعصرها، وهى أن العالم الافتراضى ليس افتراضيا صرفا وإنما هو متأثر بالواقع ومؤثر فيه. وهذا التأثير والتأثر هو فى ازدياد مستمر وتداخل، مما يجعله أميل أن يكون عالما خائليا من الخيال) لكنه ليس عالما خياليا لأنه ليس خيالا محضا. وفى كتابه العقل العربى ومجتمع المعرفة يشرح اشتقاق كلمة «خائلى» ويدافع عنها وإن كانت جديدة وغير مستخدمة.
وهذا، فى تقديرى، دور من أهم الأدوار المنوط بها مجمع اللغة العربية: اشتقاق الألفاظ العربية الجديدة. أما أن يشيع اللفظ الأجنبى ويستخدم معربا لسنوات ثم يجاز بوصفه لفظا دارجا ضمن الألفاظ الأجنبية التى تم تعريبها إنما هو عجز عن القيام بالدور الأساسى للمجمع وهو دور بحثى تأصيلى يهدف إلى الحفاظ على اللغة العربية.
جاء التعريب فى اللغة الإسبانية «arabismo» ليعكس مدى تأثير العرب وحضارتهم على الإسبان ولغتهم بما حملوه معهم من علوم وثقافة وأدوات وموارد لم تكن معروفة فى شبه الجزيرة الإيبيرية من قبل.
فنجد فى الإسبانية أكثر من ٤ آلاف كلمة من أصل عربى مثل
«aceite» الزيت أو «azucar» السكر أو «Ojala» وهى تعنى أتمنى وهى مشتقة من يا الله! وهى صيغة دعاء عربية، أو إن شاء الله وهى جملة تمنى عرفها العرب بمجىء الإسلام.
• • •
أما التعريب الذى نلجأ إليه اليوم؛ وهو تعريب اللفظ الأجنبى؛ إنما يعكس التخاذل والتأخر والتهاون مع لغتنا العربية ظنا منا أنها تضن على أهلها بمفردات تناسب العصر وما به من مستجدات جاءت مع التطور التقنى السريع.
ربما جاء الدكتور نبيل على بإسهاماته العظيمة فى الحفاظ على اللغة العربية كأداة أساسية للمعرفة لأنه كان مهندسا وليس لغويا، فاستطاع بفهمه وإدراكه لكنة الشىء وتحديد ماهيته أن يجد له اسما عربيا مستساغا وفصيحا عن طريق القياس أو الاشتقاق.
ربما تعامل اللغويون مع القرآن بوصفه كتاب هداية ودين.. وليس بوصفه كتابا بلسان عربى مبين به من الإعجاز اللغوى ما يغنى العرب عن استقدام أى لفظ دخيل عليهم إذا فقهوا. فلم يثوروه ليضيفوا المعانى الكثيرة لألفاظه المبينة أو ليشتقوا من مفرداته مفردات جديدة.
يقول الدكتور أحمد فؤاد باشا، أستاذ الفيزياء وصاحب المؤلفات الكثيرة فى مجال فلسفة العلم، وهو أيضا من أعضاء مجمع اللغة العربية والمجمع العلمى:
«فإنه من الخطأ أن يسود الاعتقاد بأن الانفصال بين العلم والدين شرط من شروط قيام الحضارة، أو أن العلم بفروعه المختلفة لا يمكن إلا أن يكون (علمانيا). لقد أدى هذا الاعتقاد الخاطئ فى بلاد المسلمين إلى حالة من الركود العلمى شُلّت فى ظلها كل مقومات الإبداع والابتكار فى مختلف مجالات النشاط الإنسانى».
• • •
تحتاج كلمة «ترند» إلى مثل هذا الإبداع والابتكار الذى يحدثنا عنه الدكتور أحمد فؤاد باشا لكى نحصل على مرادف عربى لها.
كلمة «ترند» بحسب المعنى الذى تشير إليه تعنى موضوعا ساخنا يثار على مواقع التواصل الاجتماعى وينتشر بسرعة فى وقت قصير.
هى كلمة بالتأكيد لها مرادف عربى. ولولا تأخر المجمع فى مناقشة تلك الألفاظ والبت بشأنها، لكان اللفظ المرادف أكثر انتشارا من اللفظ الأجنبى. فمثلا كلمة (المدونات، التدوين، المدونين) كانت كلمة موفقة وحققت انتشارا أوسع من الكلمة الإنجليزية المرادفة لها (بلوج، بلوجر)؛ وكان ذلك فى بداية ظهور مواقع التواصل الاجتماعى.
الجهد فى إيجاد مرادف لكلمة «بلوج» هو جهد موفق، فجاء اللفظ عربيا مبينا سهلا وعصريا، ولم نلجأ بسهولة إلى تعريب اللفظ (بلوج). بعكس كلمة يوتيوب أو يتيوبر مثلا، التى ربما يصح فيها التعريب لأن يوتيوب هو منتج أجنبى بالأساس ويعامل معاملة الاسم العلم.
كما حاولت الاجتهاد فى إيجاد كلمة مرادفة لترند بدافع الغيرة على لغتنا الجميلة والذود عنها إزاء محاولة التهميش والإضعاف لها.
لذا، حاولت أن أستعين بمنهج الدكتور نبيل على فى فهم ماهية الشىء، وأن أستعين بالقرآن العظيم فى توليد المعانى الجديدة واشتقاقها من أصل عربى. فوجدت أن كلمة «ترند» تعنى صدى.. أى صدى لحدث أو حديث.
أحيانا يكون الحدث هو الحديث؛ والحديث فى حد ذاته حدث. ولهذا مثال فى تاريخنا العربى والإسلامى فى حادثة الإفك.. فهى معروفة تاريخيا بأنها حادثة وحديث.
الصدى هو رجع الصوت يرده جسم عاكس كجبل مثلا والجمع أصداء. و«الترند» هو رجع صوت وتردده فى فضاء مواقع التواصل، وهى هنا تعمل عمل الجسم العاكس كالجبل أو المغارة؛ ومنها كلمة «تصدية» وهى فى سورة الأنفال: «وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية». وكلمة «تصدية» تعنى التصفيق أو الصياح، وهى مشتقة من صدى وصد بتشديد «الدال». وفيها معنى الصد أى المنع بالصوت العالى عن التركيز اللازم للقيام بمهام أخرى. وهذا أيضا يشبه كلمة «ترند» فى أن الموضوع المثار غالبا ما يكون مما يشاع بين عامة الناس. ويصرف الانتباه عن الموضوعات الأكثر أهمية.
كانت هذه محاولتى فى البحث عن مرادف للكلمة. وأتمنى أن يتسع النقاش حول المزيد من الكلمات، لعلنا نحيى بذلك فى أنفسنا لغتنا العربية الجميلة ولا نلجأ إلى التعريب السهل.

التعليقات