كم وزيرا سابقا التقى بالوزير الجديد الذى شغل نفس الحقيبة الوزارية من بعده؟ وكم محافظا ترك مكانه استقبل محافظا قادما فى نفس المحافظة؟
أظن أن العدد قليل.
المسألة ليست بروتوكولا، أو لقطات أمام الكاميرات، ولكنها تسليم وتسلم. ويعنى ذلك عدة أمور:
أولا: الاستمرارية فى العمل الحكومى، فلا يعنى تغير الأشخاص حتمية البدء من المربع رقم واحد؛ حيث تحافظ انتقال الروح المؤسسية على العمل، وتبعد عنه شبح الهزات الإدارية العنيفة، وهو ما يحتاج إليه مجتمع يصارع الزمن وراء التنمية مثل المجتمع المصرى.
ثانيا: تحقيق التراكم، بحيث يبدأ المسئول الجديد من المحطة التى انتهى عندها المسئول السابق. ويؤدى التراكم فى العمل إلى التقدم؛ حيث يصعب أن يبلغ مجتمع التقدم دون تراكم العمل على مدار سنوات، والبناء على ما تحقق.
ثالثا: رسالة مهمة للعاملين فى الوزارة أو المحافظة بأن العمل العام ليس شخصيات تأتى وتذهب، ولكنه عمل مؤسسى حكومى، وإن حدثت به تغيرات من آنٍ لآخر تكون خدمة للصالح العام، وليس لتغير الأشخاص والأمزجة.
إذن يعنى التسليم والتسلم الاستدامة، والتراكم فى العمل، والبناء على ما تحقق، ويمثل غياب ذلك إحدى إشكاليات العمل الحكومى. كم من استراتيجية وضعت فى عهد وزير وتغيرت فى عهد وزير آخر، على الرغم من أن مفهوم الاستراتيجية يقتضى الاستمرارية، والعمل التراكمى، يكفى أن ننظر لتغير الاستراتيجيات فى مجالى السكان والصناعة على سبيل المثال. وكم من برامج أثبتت نجاحا لكنها توقفت لارتباطها بمسئول سابق، وجاء مسئول جديد يريد أن يطلق مبادرات ترتبط باسمه. وهنا تبدو مفارقة: أن العمل الحكومى الذى يوصف دائما بالاستمرار وأحيانا بالجمود، إذ إننا نشهد تغيرات استراتيجية ليس بسبب تطوير العمل، أو ابتكار مشروعات، ولكن نظرا لتغير شخص المسئول، ويراود كثيرون الرغبة فى أن يكون لهم بصمة خاصة، حتى لو كان ذلك على حساب استمرار العمل، أو العمل الجماعى، أو البناء التراكمى.
هذه هى إحدى الخصائص النفسية السلبية فى العمل العام، ينبغى التخلص منها، فلا مجتمع يتقدم دون عمل جماعى، ومؤسسية، وتراكم الجهد. هذه روشتة التقدم فى العالم.