الوجه الآخر للذكاء الاصطناعى - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:48 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الوجه الآخر للذكاء الاصطناعى

نشر فى : الأحد 16 أغسطس 2020 - 10:55 م | آخر تحديث : الأحد 16 أغسطس 2020 - 10:55 م

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب «محمود رشدى» تناول فيه مظاهر انتشار استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى، وهل للذكاء الاصطناعى أى آثار سلبية على البشرية... نعرضه فيما يلى:
هل اصطحبكَ خيالكَ ذات مرة إلى المستقبل لترى كيف تسير حياتكَ؟ هل تخيَلتَ يوما أن يكون مديرك فى العمل أو عمدة الحى الذى تقطنه روبوتَا، أى «إنسانا آليا؟». فى ما مضى ظلت تلك الأفكار حبيسة الخيال والفانتازيا، أما الآن فنعيش فى عالَمٍ مُتسارِع. باتت التكنولوجيا وتطبيقاتها المتقدمة من الذكاء الاصطناعى ركنا أصيلا فى إدارة حياتنا، بل وتفوَقت على بنى البشر فى المَهام التشغيلية والروتينية، وتُنافس الإنسان فى المهام الأخرى المُعتمِدة على الذكاء والتفكير العقلى، بما تفضَل به الإنسان على غيره من المخلوقات، ما جعله يسود الكون، ومن ثم فلا نستبعد تماما أن نستيقظ ذات يوم ولنرى أنفسنا جزءا من عالَمٍ تحكمه الروبوتات!
لكَ أن تتخيل أن السيارات ذاتية القيادة تفوَقت على نظيراتها الأخرى ــ المُعتمِدة على القيادة البشرية ــ فى معدلات الأمان والسلامة، وعلى الجانب الآخر من العالم فى مدينة سيدنى فى أستراليا، حيث يتم تشغيل ميناء «بوتانى» بالكامل من خلال آلاتٍ ذكية «AutoStrads» فى شحن الحاويات العملاقة وتفريغها. على المنوال نفسه، فى منطقة خالية من البشر، يُستخدَم هذا النظام فى المَناجم التى شرعت بالاعتماد على الأجهزة الذاتية، إذ تقوم تلك الآلات بنقل المواد الخام إلى شاحناتٍ، وهى بدَورها توصلها إلى قطارات الشحن فى الموانئ من دون تدخُل العامل البشرى!
لا شك أن العالَم مُقبِل على ثورة استثنائية فى قطاع التكنولوجيا والاتصالات، ترتكز على تطبيقات الذكاء الاصطناعى، وتتوسَع فى المجالات كافة، بحيث لا يُستثنى منها أى مجال، فباتت تتدخَل فى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ما دفعَ بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فى إحدى زياراته لمؤسسة تعليمية مُختصَة بالبَرمَجة الإلكترونية عن الذكاء الاصطناعى والسيادة التكنولوجية، إلى القول: «إن مَن يمتلك الذكاء الاصطناعى سيحكُم العالَم».
يعرَف الذكاء الاصطناعى، فى أبسط تعريفاته، بأنه بَرامج حاسوبية ترتكز على خوارزميات معينة، قادرة على جمْع المعلومات وتحليلها، واتخاذ قراراتٍ بطريقة تحاكى التفكير البشرى. وهناك أنواعٌ منه تعتمد على تخزين المعلومات المُستقبِلة، وإخراجها بصورة تحليلية، ما يسمح باتخاذ قرارات مستقلة وصحيحة، كما هو الحال مع السيارات ذاتية القيادة، ناهيك بنَوعٍ آخر من الذكاء، لا يزال تحت الاختبار، يحوى بَرامج تُحاكى العقل البشرى من إدراك الإحساس والتفاعُل مع التصرفات الإنسانية، بما يُمكِن من التنبؤ بمَشاعر الآخرين.

مظاهر تغلغُل منظومات الذكاء الاصطناعي
تعدَدت مَظاهر تغلغُل أجهزة الذكاء الاصطناعى فى حياتنا بشكلٍ مُطرد خلال العقد الأخير، وشرعت المجالات جميع فى تحويل أنشطتها وخدماتها عبر الفضاء الإلكترونى والآلات الحديثة، إذ أصبحنا نتحدث عن تحوُل المجالات الحياتية لنَوعٍ جديد منها يسمى بـ«الرقمنة»، حيث ثمة الآن: الحرب الرقمية، الطب الرقمى، الاقتصاد الرقمى، وكذلك عِلم الاجتماع الرقمى المتصل بشيوع وسائل التواصل الإلكترونية فى حياتنا بشكلٍ كبير. نختار من تلك الأبعاد بُعدَين لهما ارتدادات خطيرة وهُما: البُعد الأمنى والبُعد الاجتماعى.
البُعد الأمنى: اتسعت منظومات الذكاء الاصطناعى وإفرازات ثورات التكنولوجيا لتشمل القطاعات الأمنية والعسكرية، فظهرت مفاهيم جديدة غيرت من النمط التقليدى للحرب والمعدات العسكرية، فضلا عن تغيُر ميدان الحرب ليتحول إلى فضاءٍ رقمى يتصارع فيه المُتحاربون بأجهزة إلكترونية، ومن ثم تغير مسمى الحرب، ليصبح الحرب الرقمية أو الحرب السيبرانية.
ظهر مفهوم الحرب الرقمية السيبرانية بشكلٍ واضح فى الشرق الأوسط على وجه التحديد عبر استخدام الطائرات من دون طيار أو الطائرات المُسيرة «الدرونز»، إذ تم إنشاؤها لأغراضٍ بحثية، ولكنْ سرعان ما تحوَل استخدامها لأغراض عسكرية بدأت بالمهام التجسسية، وانتهت بمَهامٍ هجومية بعد استخدامها لتدمير أهداف معينة، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، استهداف منشآت أرامكو السعودية فى 14 سبتمبر 2019، والهجمات الأميركية على مَواقِع إيرانية.
لم تقتصر الحروب الرقمية على «الدرونز»، وإنما شملت حروبا سيبرانية، تستهدف فى المقام الأول تعطيل قواعد بيانات جهات معينة بغرض إيقافها عن العمل لفترات محدَدة، وأشهر هذه الحروب، إطلاق فيروس «Ransomware» الذى اجتاح العالَم فى العام 2017، موقِعا أكثر من 200 ألف ضحية، وهو يصيب الأجهزة العاملة بنظام «ويندوز».
البُعد الاجتماعى: إذ أردتَ أن تعرف حجم الدَور الذى تلعبه تطبيقات التكنولوجيا فى حياتنا، فانظر إلى الشارع وراقِب المارة، أو تأمَل الجالسين فى المحلات ومحطات المترو، حيث سترى أشخاصا مُختلفين يفعلون الشىء ذاته وهو التحديق فى هواتفهم، مع تحريك حواسهم تعبيرا عن حالتهم المزاجية. ولتتعمَق أكثر فى الموضوع، تذكَر إحدى المرات التى فقدتَ فيها أنتَ أو أحد أصدقائك هاتفكَ، وكيف وقعَ ذلك الألم عليك، ليشبه الألم نفسه الذى يصيب الفرد عند فقدان أحد الأشخاص العزيزين على قلبه.
بالطبع، تغيَرت ديناميكية الحياة الاجتماعية بتغلغُل وسائل التواصل الاجتماعى (فيسبوك، انستغرام، وغيره) فى حياتنا، وارتبطت مَفاهيم التشارُك المُجتمعى والترابُط الأسرى بأدوات التواصل الجديد ( اللايك، الشير)، بل واعتمد مقياس العلاقة بين الأصدقاء على معدَل التجاوُب مع ما يَنشره الآخر.
تزداد الأمور تعقيدا على تعقيد مع تلك الحالة التى نصل بها إلى التعلُق بهواتفنا إلى حد الإدمان، وفى هذه الأثناء، نتساءل عن عدد المرات التى تتفحَص بها هاتفكَ يوميا، وكم مرة اطَلعتَ على حسابكَ على الفيسبوك أو تويتر أو إنستجرام. لا شك أن الإجابات ستصدمكَ، ولاسيما عندما تُراقِب نفسكَ وتكتشف أنكَ تقضى أكثر من ساعتَين يوميا على الهاتف الذكى، وأنكَ تتفحصه نحو 90 مرة، على الأقل.
وفى تطور مُستمر فى إدخال برمجيات الذكاء الاصطناعى إلى وسائل التواصل، بات لدينا صديق رقمى عوضا عن أصدقائنا من البشر، نستطيع التحدث إليه فى أى وقت. ولعلك شاهدتَ فيلم «Her» من بطولة جواكين فينكس، وكيف تعلَق بمحبوبته الإلكترونية، بعدما اشتراها من متجر للأجهزة الإلكترونية، وبات يتحدث إليها ليل نهار؛ فهل يبدو لكَ الأمر أكثر غرابة عندما تعرف أن هناك العديد من البرامج الشبيهة «chatbots» التى انتشرت بشكلٍ كبير بين فئات الشباب، مثل برنامج «replica» و«messanger bot» وغيره من البرامج التى تتحدث بها إلى روبوت؟
الأمر لا يحتاج إلى دراسات أكاديمية كى نُثبت نسبة التحول الاجتماعى لمُجتمع رقمى، استَبدلَ حواسه ومشاعره وتفاعله الاجتماعى بأدواتٍ رقمية تعتمد على ضغطة على جهازك تُترجِم بها إحساسك، وتكتب منشورا بديلا عن جلسات أصدقائك وأسرتك، منتظرا كما من التفاعُل، يتحوَل معها يومكَ، إما إلى نشوة، فى حالة حيازتك عددا لا بأس به من المُعجبين، أو إلى صدمة سلبية فى حال لم يحصل ذلك.

ارتدادات الذكاء الاصطناعى
فى الأعوام الأخيرة، تزايد الحديث عن انعكاسات تقدُم الذكاء الاصطناعى على حياة البشرية، وتراوحت الآراء بين مَن يرى أن الذكاء الاصطناعى سيؤول إلى إسعاد البشرية، وبَين مَن يرى العكس. جماعة الاتجاه الأول ترى أن تقدُم الذكاء الاصطناعى سيخدم الإنسان فى العديد من المجالات الحياتية، وتبنى هذا الرأى مارك زوكربيرج مؤسِس فيسبوك.
أما أصحاب الرأى المُعاكِس، فذهبوا إلى أن من شأن هذا التطوُر أن يُفضى إلى فناء البشرية ودمار بنى البشر. وقد عبَر العالِم الفيزيائى الشهير «ستيفن كوينج» عن مَخاوفه من تطوُر الذكاء الاصطناعى واحتمال إحلاله محل البشر، كما لم يَستبعد أن يؤدى استمرار التقدم إلى شكلٍ جديد من الحياة.
لا يُمكننا أن نهملَ فضل التكنولوجيا على حياة الإنسان ورفاهيته وإسهامها فى بناء حضارة متطورة، لكنْ للثورات الرقمية جانبها المُظلم، ويتمثل فى دخول الإنسان مُنافِسا فى قطاع الأعمال مع الروبوت، الذى حقَق تقدما كبيرا على مُبتكريه من البشر، ناهيك بالجوانب النفسية، وتغيُر نمط الحياة، بل تغيُر شكل الدول الذى ألفناه منذ قرون. ويُمكن أن نحصر انعكاسات «الرقمنة» فى جوانب عدة منها:

1ــ قطاع العمال البشرى: حيث إنه بفضل زيادة الاستثمار فى قطاع التكنولوجيا وحدوث طفرة هائلة فى قطاع الذكاء الاصطناعى، تغيَر سوق العمل وخضَع العنصر البشرى فيه لمُنافَسة من طرف الآلات الذكية واستبدال العُمال بتلك الآلات، وحدوث توسُع فى مجالَى البَرمَجة والابتكار.
وبحسب تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، فـإن خطر هَيمنة التكنولوجيا على قِطاع الأعمال يقع فى دائرة الأعمال التى تحتاج إلى مهارات مُنخفضة، أى الوظائف مُنخفضة الدخل، ناهيك بالأزمات الاجتماعية التى يُمكن أن تظهر فى عصر الهيمنة التكنولوجية، مثل تراجُع دَور النقابات العُمالية، وإضعاف قوانين العمل، ومَيل القوانين الضريبية إلى إفادة الأغنياء، وعدم تكيُف السياسات التعليمية مع عالَمٍ متغير، وهى مُشكلات تتعلق بالسياسات، ويجب إصلاحها بدلا من الاكتفاء بإلقاء اللوم على التكنولوجيا.
2ــ تغيُر مفهوم الدولة: بحيث تتناقص السيادة التقليدية للدولة مع التطور التكنولوجى الهائل، إذ توسَع حجم اعتماد الدول على بعضها البعض بشكلٍ كبير، وتداخلت مَصالحها بطريقة يصعب معها على كل دولة حفْظ استقلالية قرارها بمنأى عن جيرانها. ولأن الاقتصاد القوى هو عامل أساس لاستمرارية الدولة ونظامها السياسى، وتحقيقها مكانة دولية، فإن تطبيقات الذكاء الاصطناعى أَنتجت عُملات افتراضية جديدة ــ مثل البيتكوين ــ يتم التعامُل بها بعيدا عن أنظار البنوك المركزية ومُراقَبة الحكومة، لأنها تخلق اقتصادا موازيا يخضع لسيطرة مؤسساتٍ أخرى.
أخيرا ازداد الأمر لدى الدول الكبرى، وذلك بعدما أعلنت فيسبوك طرْح عُملة افتراضية جديدة سُميت «ليبرا»؛ أى أن فيسبوك حوَلت نفسها إلى دولة افتراضية يُمثلها مَن يَمتلك حسابا على منصاتها، وتخضع جميع مُعاملاته التجارية لسياستها، وذلك فى مقابل العدول عن استخدام العملات التقليدية مثل اليورو والجنيه الإسترلينى، والدولار، وهو الأمر الذى يتسبَب فى كوارث مالية لتلك الدول، ويُهدِد من سيادتها ومَكانتها الدولية.

التعليقات