أيا كانت نتيجة التحقيقات التى تجريها النيابة العامة بشأن الحريق المروع الذى أودى بحياة واحد وأربعين شخصا، كثير منهم فى عمر الزهور، بكنيسة القديس مرقوريوس أبى سيفين بالمنيرة، فإن هناك «خلاصات» مهمة تتصل بالحادث، والذى للأسف يمكن أن يتكرر فى مناطق أخرى.
استمعت إلى تحليل من الصحفى نادر شكرى، وهو من الصحفيين النابهين الذين يهتمون بالشأن الدينى بموضوعية، دون تهويل أو تهوين، وقد نقل من أرض الواقع عددا من الملاحظات المهمة التى تتصل بمبنى الكنيسة. وكما كان متوقعا فإن الكنيسة بنيت فى التسعينيات، مجرد مبنى عشوائى وسط منطقة عشوائية، مكان يُصلى فيه الناس، فى وقت كان الأسلوب المتبع فيه هو وجود مكان للصلاة دون ترخيص، ولكن بالطبع تحت بصر وعلم أجهزة الدولة المعنية. المبنى ضيق، مكتظ بالأنشطة، له باب واحد، وسلم واحد، ولا يراعى الاشتراطات البنائية أو المعايير الهندسية. وهذا تعبير عن فشل السياسات العامة، وعدم قدرتها على السماح للناس بالصلاة فى مكان يسع لهم، ويلبى احتياجاتهم، وبالتالى عندما تحدث كارثة، يكون ضحاياها أكثر بكثير مما يمكن أن تكون عليه إذا حدثت ــ لا قدر الله ــ فى مبنى آخر مخطط، ومنظم، يراعى القواعد الهندسية والفنية. وأكاد أجزم أنه على شاكلة هذا المبنى يوجد عشرات الآلاف من المبانى فى القرى والمناطق العشوائية التى يمكن أن تلتهمها النيران فى أى وقت دون أن يستطيع الموجودون بها الفرار منها. ومما يُعقد الأمر، ويزيد الطين بلة، أن المجتمع المصرى بحكم تكوينه لا يعرف ثقافة الصيانة، والمتابعة الفنية، ولا يتدخل إلا عند حدوث خلل أو توقف أو انهيار. وهناك من يعتبر الصيانة «ترفا» لا معنى لها، ويكفى أن ننظر إلى كم السيارات المتوقفة على جانب الطريق تطلق دخانا من باطنها، أو متعطلة نتيجة ارتفاع درجة الحرارة، والسبب أنه لا توجد مراجعة أو صيانة دورية لها. بالطبع الفقر، وضعف الموارد المالية له دور أساسى فى عدم إجراء الصيانة اللازمة فى مواعيدها، ويسود عرف فى كل مناحى الحياة أنه طالما الدنيا «ماشية» لا داعى للتدخل حتى يصل الشىء إلى «آخره»، عندئذ نتدخل بتغيير الجزء المعطوب أو ترميم البناء. وقد أدى غياب الصيانة فى حياتنا إلى تدهور المبانى، وترهل الإمكانات المؤسسية، وضعف الإنجاز، وارتفاع تكلفة إرجاع الشىء إلى أصله نتيجة تراكم التدهور، مما يجعل تكلفة إصلاحه أعلى بكثير من تكلفة صيانته الدورية.
لو تأملنا كم العشوائية التى تحيط بنا من كل جانب، ليس علينا إلا أن نشكر الله كل حين لأنه «خير الحافظين»، ويحمى الناس من كوارث كبرى، وإن ما يضرب المجتمع من احداث جسام من وقت لآخر أقل مما يمكن أن ينجم عن حالة العشوائية التى نعيشها.
إذا عدنا إلى حادث كنيسة أبى سيفين، فإن الفقر والعشوائية وغياب التخطيط تركت آثارها القاسية على الحادث، وهى ليست مسئولية الكنيسة وحدها، فهى نتائج الظروف التى أحاطت بها، ويستوجب النظر إلى المستقبل العمل على مراجعة أنظمة الأمان، واتخاذ ما يمكن عمله لتحسين شروط المبانى، وضمان سلامتها، ومراعاة الاشتراطات الفنية، سواء كانت كنائس أو مساجد أو مستوصفات أو مدارس، وغيرها.
رحم الله الضحايا الأبرياء، وشفى المصابين، واراح قلوب المكلومين.