حين أراد الإخوان المسلمون إصدار قانون يقيد الحق فى التظاهر تحت لافتة تنظيم التظاهرات السلمية علت أصوات المعارضين لهم، وفى مقدمتهم جبهة الإنقاذ، وأكدت الآراء الرافضة، وكنت أحدهم، على أن المصريين انتزعوا حريتهم فى ثورة 25 يناير، ولا ينبغى تقييد حقهم فى التظاهر، فضلا عن أن قانونا ينظم الحق فى التظاهر ينبغى أن يصدر من مجلس تشريعى منتخب، وأشار البعض إلى أن القانون حال صدوره لن يطبق عمليا لأن المعارضين للإخوان المسلمين ــ وقتئذ ــ لن يمتثلوا له وسوف يواصلون احتجاجاتهم، ويضع قوات الأمن فى مواجهة مع المواطنين، باعتبارهم الطرف المباشر الذى يتعامل مع المتظاهرين، بدءا من تلقى طلبات تنظيم مظاهرات، وانتهاء بفض التظاهرات. ونتذكر كيف تندر كثيرون فى برامج الفضائيات من إلزام مسودة القانون بتقديم أسماء منظمى التظاهرات لجهات الأمن مما يجعلهم فى دائرة الملاحقة الأمنية. اللافت أن فى الحوار الذى رافق مسودة قانون تنظيم التظاهر تحدث كثيرون عن «الحل السياسى» الذى ينبغى أن يكون محل «الحل الأمنى» حتى نستطيع أن نفرغ الشحن السياسية المعارضة. وتحدث كثيرون عن أهمية الحوار المجتمعى حول مسودة القانون لتوسيع مساحة المعرفة به.
كل ما سبق فقط للتذكرة وإنعاش الذاكرة.
اليوم يجرى إحياء مسودة قانون تنظيم التظاهر من مرقدها، والدفع بها لتصدر فى قانون يحوى ــ تقريبا ــ نفس البنود التى كانت واردة فى مسودة القانون الذى كان يريد به الإخوان المسلمون ملاحقة معارضيهم، فإذ بنا نفعل ذات الأمر الآن، وتظهر الحكومة الحالية بمظهر من يريد استصدار قانون لتنظيم التظاهر لاستخدامه أداة فى ملاحقة معارضيهم من الإخوان المسلمين. لا يشفع فى ذلك أصوات متناثرة من «جبهة الإنقاذ» تتحفظ على القانون، لأن الحكومة الحالية ليست منتخبة، ولا تعبر عن أغلبية برلمانية، هى فقط من جبهة الإنقاذ، وغالبية أعضائها من أحزابها، وليس منطقيا أن تعارض جبهة الإنقاذ بينما أعضاؤها فى الحكومة.
لا أعرف كيف تستطيع الحكومة الحالية تبرير موقفها أمام العالم الخارجى خاصة وهى تنتهج نفس المسلك الذى كانت تنكره، وتعارضه، وتحتج عليه إبان حكم الإخوان المسلمين. هل المسألة مجرد «أدوات للحكم» نلجأ إليها عندما نكون فى السلطة تجاه المعارضين، يفعلها الإخوان المسلمون حينا ضد خصومهم، وعندما يصل خصومهم للحكم يسعون لممارستها تجاه الإخوان المسلمين؟
الحكومة الراهنة فى أزمة. تشكل مسودة قانون التظاهر أحد أبعادها. ما يجرى فى الجامعة يشكل بعدا آخر، لأن بعضا من أعضاء الحكومة، بمن فى ذلك وزير التعليم العالى، كان من أهم المعارضين لوجود الحرس الجامعى، الآن مع تردى الحالة الأمنية فى الجامعة، هل سيكون القرار هو العودة للحرس الجامعى؟
بالتأكيد الحكم غير المعارضة، ولا تستطيع أن تكون فى موقع اتخاذ القرار وتتصرف بنفس عقلية المعارضة. ليس صحيحا أن انتقاد الحكومة إعلاميا فقط، لأن هناك قطاعات من المجتمع ترى أن هذه الحكومة لم تقدم لهم شيئا كثيرا. حال الأمن، والاقتصاد، وتلال القمامة كما هى.