«البطرسية».. أحزان وأوجاع - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 8:34 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«البطرسية».. أحزان وأوجاع

نشر فى : الجمعة 16 ديسمبر 2016 - 9:40 م | آخر تحديث : الجمعة 16 ديسمبر 2016 - 9:40 م
أسبوع حزين مر على مصر والمصريين، شهد أحداثا مروعة وأفعالا خسيسة؛ ولابد هنا أولا من تقديم خالص العزاء فى شهداء الوطن ممن راحوا ضحية لشر أسود وإرهاب خسيس، فى أحداث تفجير الكنيسة البطرسية المتاخمة للكاتدرائية المرقسية بالعباسية.

تفجير كنيسة البطرسية خلف آلاما وأحزانا، وأوجاعا غائرة فى قلوب وأرواح المصريين، لكن الأمر لم يعد مجرد حزن عابر أو وجع زائل، و«تمضى الحياة بمسراتها وأحزانها فى نهر الزمن الخالد»، لم يعد الأمر أبدا هكذا.. نحن الآن ندفع ثمنا باهظا لإهمالنا عمدا معالجة مشكلاتنا المزمنة من جذورها، نكتفى بالمهدئات والمسكنات والأساليب الدعائية الفجة التى لا تتبدل ولا تتغير، نفس التصريحات، نفس أشكال الاستدعاءات القديمة السخيفة.. لا جديد تحت الشمس!

ذرة واحدة من الصراحة، ذرة واحدة فقط، تقول إن ما نحن فيه الآن حصاد مُر لعقود طويلة من ضرب التعليم وتعمد إفساده وهيمنة المتطرفين والمتعصبين دينيا على مقدراته (هذا وحده يشكل نصف الأزمة)، ازدراء الثقافة والفكر واحتكار المعرفة الدينية، كل ذلك نتاج أزمة عميقة تعود جذورها لأكثر من ستة عقود تراكمت فيها مشكلات البطالة والتضخم الاقتصادى وعبء الديون الخارجية، الفقر والجهل يتزايدان بمعدلات مخيفة وتدنى مستويات المعيشة وتهاوى القدرة الشرائية، شيوع شعور عام بالإحباط واليأس وضياع الأحلام والآمال، ممارسات سياسية زائفة وفجة وغبية فى ظل غيبة أهل الكفاءة وحضور أهل الثقة! والآن لا يريد البعض أن يصدق بأننا دخلنا دائرة الأحزمة الزلزالية المخيفة، والانهيارات الاجتماعية المدمرة.. ومن يُرِد أن يصدق فليصدق، والذى لا يريد فهو «حُر» تماما وليضع رأسه فى الرمال كالنعام!

أجدنى هنا أعود إلى كلمات نجيب محفوظ، حينما سأله محمد سلماوى فى حواراته معه «وجهة نظر» التى كانت تنشر فى جريدة الأهرام على مدى سنوات قبل وفاة محفوظ، عن العنف والإرهاب وكيفية القضاء على هذا الشر المستطير. بعبارات حاسمة وواضحة ومنتقاة قال نجيب محفوظ:

ــ فيما أعلم، لا أعرف دينا وسيلته العنف والإرهاب، ليس هناك دين يمسك سكينا ويضرب به الناس لكى يحملهم على اعتناقه، والإسلام فى مقدمة هذه الأديان، حيث قال تعالى: «لا إكراه فى الدين»، و«من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». لا ليس هذا بالإسلام.

ــ وحينما سئل عن «العنف الذى مورس فى تاريخ الإسلام فى أى من مراحله التاريخية، قال:

كل شىء بأسبابه، كما أنه فى الماضى كانت هناك أخطاء، لكننا لدينا القدوة الحسنة فى السلف الصالح: الرسول والصحابة، هما أهم من حكام المماليك، والترك مثلا، فهل نريد حكم النبى وحكم عمر، أم حكم الطرق والديلم؟ أم أننا سنقتدى بالخوارج الذين رغم تقواهم الشديدة، فهم أسوأ مثل فى التطرف، فقد كانوا يكفرون وينفذون؟

إن الإسلام الحقيقى هو إسلام الرسول الذى لم يعرف التكفير ولا الإرهاب. الإسلام لم يعرف العنف إلا دفاعا عن النفس، وما غير ذلك فهو انحراف فى الفهم، خطئه نابع ممن يتبعونه، ومسئوليته تقع عليهم وليس على الإسلام.

أما أهم ما جاء فى حوار محمد سلماوى مع نجيب محفوظ فى هذه القضية، فكان عن مواجهة الإرهاب والتصدى له أولا بشكل مباشر، ثم القضاء عليه ومعالجته من جذوره ثانيا، كان محفوظ يرى أن «علاج الإرهاب كجريمة، هو التصدى له دون تفكير؛ لأن من قتل يجب أن تُشهر سلاحك فى وجهه، لا يمكن أن تتسامح مع الجريمة أو تؤجل التعامل معها، ولكن الاكتفاء بذلك خطأ، وهو يمثل نظرة ضيقة للظاهرة التى هى أوسع بكثير من الحيز الأمنى، صحيح أن الشرطة تتصدى للإرهاب على أكمل وجه، لكن الأفكار التى أدت إلى هذا الإرهاب ما زالت فى حاجة إلى من يتصدى لها. وذلك لا يكون بالعنف وإنما بالفكر».

يكتب محفوظ «الروشتة» يقدمها لأهل الرأى والقرار ويضعها تحت تصرفهم (لم ينظرها أحد ولم يقرأها أحد جيدا حتى الآن)، يقول محفوظ: المسئولية تقع أولا على التعليم، وقد تربينا جميعا تربية دينية جيدة بالمدارس، فلم نتطرف ولم نتعصب ولم ننحرف، وكنا نفترق مؤقتا مع إخواننا الأقباط، وقت درس الدين فقط، ثم نعود أصدقاء وأصحابا، ثم هى بعد ذلك مسئولية وسائل الإعلام من الإذاعة والتليفزيون، إن بعض ما تقدمه الإذاعة والتليفزيون يؤدى بالفعل إلى الانحراف؛ لأنه بعيد عن روح الدين، وأقرب إلى الخرافات والخزعبلات، إن أجهزة الإعلام يجب أن تحكى قصة الدين النير، الدين المتسامح، الدين الإنسانى، وتملأ بها قلوب الناس. إذا أردت مقاومة الإرهاب والانحراف، إذا أردت أن تدعو إلى إنسانية شاملة ومحبة شاملة، فانشر الفكر الإسلامى الصحيح فى مكانه الصحيح، ما بين التعليم والإعلام..
رحمنا الله جميعا ولطف بمصر وأهلها وحفظها من كل سوء..