إذا كان صحيحا ما قاله الفيلسوف الفرنسى «سارتر» أن «الكلمات مسدسات محشوة» فرسوم الصحيفة الفرنسية «شارلى إبدو» مفخخات. وليس هناك أغبى من مجون هذه الصحيفة المتخصصة بإثارة الكراهية والبغضاء داخل المجتمع الفرنسى، والهزء بعقيدة مسلمين فقراء، لا يملكون سوى دينهم؛ ملجؤهم الوحيد، الذى قال عنه الفيلسوف غير المؤمن بالدين ماركس «الدين ضمير عالم لا ضمير له، وقلب عالم لا قلب له». وأبسط معرفة بعلوم النفس والسياسة تدرك أن العرب والمسلمين تستفزهم الإهانة أكثر من أتباع غيرهم من الأديان، لأنهم يعانون منذ قرون أوضاعا مهينة.
«أنا لستُ شارلى إبدو» عنوان مقالة ديفيد بروكز، معلق «نيويورك تايمز» يعارض فيها لافتات مظاهرة «أنا شارلى إبدو»، ويذكر أن «أى محاولة لإصدار هذه الصحيفة الهزلية فى حرم أى جامعة أمريكية ستستغرق 30 ثانية، فالطلاب وأعضاء الهيئات التدريسية كانوا سيتهمونها بزرع الكراهية، ولكانت الحكومة قطعت التمويل عنها وأغلقتها». ويضيف: «ردود الأفعال على الهجوم فى باريس كشفت عن أن كثيرين يسارعون للاحتفاء بمن يؤجج وجهات النظر ضد الإسلاميين الإرهابيين فى فرنسا، لكنهم أقل تسامحا جدا مع من يعادى عقيدتهم».
و«لا، ليس كلنا شارلى، وهذه مشكلة» عنوان مقالة «كاس ميود» أستاذ العلاقات الدولية فى جامعة فرجينيا بالولايات المتحدة، يذكر فيها أن «السياسيين يدعون المسلمين لتقبل أنهم يعيشون الآن فى مجتمع مسموح به انتقاد كل شىء، مشيرين إلى الهزء بالمسيحيين والمسيحية»، ويضيف أن «هذه فى أحسن الأحوال سذاجة، وفى أسوئها مكر، فكثير من النقد المقبول للإسلام والمسلمين يمكن أن يعتبر غير مقبول، ومخالف للقوانين، إذا استهدف جماعات أخرى، على سبيل المثال اليهود، أو السود». وقبل قرن ونصف أوحت باريس للفيلسوف ماركس عبارته الشهيرة عن «التاريخ يعيد نفسه مرتين؛ أولا كمأساة، وثانية كمأساة هزلية»، وأى مأساة أكثر هزلية من حشر الإرهابى نتنياهو، فى الصف الأول من 40 زعيم دولة شاركوا فى مظاهرة باريس احتجاجا على الإرهاب؟..
وكم من الهزل المأساوى نقلته الفضائيات عما ينبغى على المسلمين فعله، وضرورة أن يهذبوا دينهم، ويندمجوا فى المجتمعات المتحضرة؛ قالها حتى معلقون عرب خلال تغطية مشاهد حضور نتنياهو قداس حاخامية باريس على أرواح الضحايا اليهود. وماذا عن تهذيب نتنياهو، الذى أعلن يهودية إسرائيل، عقب قتله أكثر من ألفى فلسطينى أسير فى أكبر معسكر اعتقال فى العالم اسمه غزة. وللتاريخ؛ هل المسلمون غير المهذبين سجلوا أرقاما عالمية قياسية فى قتل عشرات الملايين من الأوروبيين فى حربين عالميتين دمرتا عشرات البلدان الأوروبية؟
وكيف تحول البحر المتوسط، مهد الحضارات الغربية والعربية إلى مقبرة هائلة للاجئين مروعين هاربين من العراق وأفغانستان وسوريا وليبيا وفلسطين. لم يحتج على ذلك زعماء دول التحالف ضد الإرهاب، بل البابا «فرانسيس»، رئيس الكنيسة الكاثوليكية التى يتبعها الفرنسيون وملايين الأوروبيين. وفى أول خطاب له فى «البرلمان الأوروبى» قرَّع البابا أوروبا على «معاملة اللاجئين، وجيوش الشباب العاطلين عن العمل»، وانتقد «تعاملها مع المسنين، وفشلها فى رؤية ما يجرى بوضوح».
وشدد البابا على أولوية الكرامة الإنسانية، وحذر من أن «باقى العالم يعتبر أوروبا خالية من العاطفة، وسيئة الظن، ومرتابة».
محمد عارف - مستشار فى العلوم والتكنولوجيا