المجال العام هو حركة ونشاط فى إطار مؤسسات ومنتديات وأروقة العمل الأهلى، الذى يشارك فيه المواطنون، سواء كانت أندية، أحزابا، نقابات، جمعيات تطوعية، الإعلام... الخ. المواطن العادى، ولا أقول نشطاء أو ساسة أو مثقفين أو مهتمين بالشأن العام، أصبح فى حالة انعزال عن العمل العام، والأهم من ذلك أن لديه مشاعر سلبية تجاهه. هذه هى المشكلة.
فى أزمة نقابة الصحفيين بدا واضحا أن المواطن العادى غير متعاطف، بل يظهر انتقادات للصحفيين، ويراهم من ذوى البحث عن امتيازات. وفى الحديث عن المنظمات غير الحكومية، ترى اتجاها يربط بينها وبين التربح من أموال تفد إليها من الخارج، تحمل أجندة غير وطنية، وعندما يأتى الحديث عن الأحزاب، تراه يتحدث عنها بمنطق أنها تبحث عن مصالحها الخاصة.. قس على ذلك أحداثا كثيرة، يظهر فيها المواطن رافضا، وأحيانا منتقدا مهاجما للعمل العام، معتبرا أن ذلك مجافيا للاستقرار، ومعطلا للمشروعات الحكومية.
كيف تشكل المزاج العام على هذا النحو، على الأقل بعد أن مر المجتمع المصرى بخبرة حراك سياسى واسعة خلال الخمس سنوات الماضية؟
هناك إعلام وطن فى نفس المواطن أن السياسة تعطل الاقتصاد، ونظرا لأن الاقتصاد غايته، وهو أمر طبيعى، فإن العداء ينصرف للسياسة والساسة وكل من لف لفهم.
هناك إعلام ربط فى ذهن المواطن بين ما حدث فى 25 يناير، وبين التراجع الذى حدث فى المجتمع المصرى، وبالتالى أصبح لدى المواطن نظرة سلبية تجاه أى فعاليات سياسية، بل على استعداد أن يهاجمها، خاصة إذا كان من الذين تأثروا اقتصاديا بصورة مباشرة فى السنوات الخمس الأخيرة.
هناك إعلام أوجد فى ذهن المواطن علاقة تلازم بين هيبة الدولة، أو استعادة الدولة، وبين تجفيف منابع العمل العام، ولو إلى حين، باعتبار أن الأولوية تنصرف إلى إعادة بناء الدولة نفسها.
أحاديث كثيرة جعلت حاجزا نفسيا بين المواطن وكل ما له علاقة بالعمل العام.
بالطبع لا أحد يجادل أو يختلف على أن انتعاش الاقتصاد، وبلوغ الاستقرار، وبناء الدولة التنموية القوية بحكم القانون من القضايا الأساسية، ولكن هذا لا يعنى أن العمل العام معطلا لها أو عائقا أمامها. فى أكثر الدول استقرارا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا تنشط الفعاليات فى العمل العام، التى ينظر إليها على أنها مساحة مهمة لحرية التعبير، وتشكيل رأى عام نقدى، وداعم للسياسات العامة. وفى كل المجتمعات قد يلجأ بعض الفئات أو المجموعات إلى الشطط فى التعبير، لكن الذى يساعد على مواجهتها هو القنوات المؤسسية للتعبير عن الرأى، وحكم القانون فى إطار من الشفافية، والمساواة والعدالة.
هناك مشروعات كبرى، وأحلام عريضة ترافقها، يزداد مردودها إذا رافقها حرية تعبير، ومشاركة واسعة، والإدارة السياسية الهادئة، والسعى الدائم لإطفاء الحرائق التى تشتعل هنا وهناك، وتوقف الرغبة فى تصفية الحسابات، ومراجعة أوضاع الشباب المحبوسين بسبب قانون التظاهر. المجتمع العام الذى تبدو فيه انقسامات اليوم توحد فى 30 يونيو منذ ثلاثة أعوام، ينبغى أن يكون فى قرب هذه المناسبة «فرصة» لإدارة حوار أوسع حول أهداف المجتمع فى الفترة المقبلة، التى باتت مختلفا عليها فى أذهان الفرقاء.