فكما توظف السلطوية الجديدة فى مصر مكارثية حكم الفرد والرأى الواحد والمراوحة إزاء المدافعين عن الحق فى الاختلاف والتعبير الحر عن الرأى بين الاستبعاد العنيف فى الحد الأدنى وبين التشويه والتخوين وإنزال العقاب وتبريره فى الحد الأقصى، يوظف بعض معارضى السلطوية الجديدة مكارثية من نوع آخر لا تقل بؤسا وتهافتا وجهلا.
ومعارضو السلطوية الجديدة الذين أعنيهم هنا لخطابهم وممارساتهم سمات محددة ودقيقة: 1) الاستخدام الفاسد لقيم ومبادئ العدل والحق والحرية وسيادة القانون للترويج لسلطوية بديلة تبحث هى أيضا عن إخضاع المواطن والسيطرة على المجتمع والهيمنة على الدولة الوطنية. 2) الخلط الممنهج بين الإدانة الضرورية أخلاقيا وإنسانيا ومجتمعيا للمظالم والانتهاكات التى ترتكبها السلطوية الجديدة وبين التبرير الفاسد أخلاقيا وإنسانيا ومجتمعيا لعنف وانتقامية بعض المجموعات الفاعلة فى دوائر الإخوان المسلمين وحلفائهم فى اليمين الدينى «كاستراتيجيات مشروعة» لمواجهة العنف الرسمى. 3) التورط فى تزييف وعى القطاعات الشعبية المتمسكة بأمل بناء الديمقراطية عبر «فك الارتباط» بين الفكرة الديمقراطية وبين مقوماتها الأساسية المتمثلة فى التزام العلنية والاقتراب اليومى من الناس ومقاومة مظالم وانتهاكات السلطويين الجدد باستراتيجيات وأدوات لا تخرج عن شرط السلمية، وفى خطوة تالية عبر إحلال مقولات متهافتة كالعنف الثورى وصور نمطية مرضية تمجد حمل السلاح وتستهين بالدماء وتنتهك قدسية الحق فى الحياة بعد أن انتهكته السلطوية، ومن ثم تجرد الفكرة الديمقراطية من جوهرها السلمى وتنزع مصداقيتها الأخلاقية والإنسانية والمجتمعية بإغراقها فى دوائر العنف والعنف المضاد وخرائط الدماء والتعاقب اللانهائى للسلطويات.
هذه الطائفة من معارضى السلطوية الجديدة، وفى سياقات الترويج لسلطوية بديلة والتبرير الفاسد للعنف وتجريد الفكرة الديمقراطية من الجوهر السلمى، توظف مكارثية بائسة ومتهافتة وجاهلة بهدف: 1) إسكات أصوات المختلفين معها من الباحثين عن العدل والحق والحرية وبناء الديمقراطية دون تخلٍ عن شرط السلمية والشاغلين من ثم لخانات رفض السلطويتين الجديدة والبديلة دون تمييز أو مساومة. 2) تشويه مقاومة السلطوية الجديدة والوقوف فى وجه المظالم والانتهاكات عبر اختزالهما فى صراع على الحكم / السلطة، وتنحية المقومات الأساسية للانتصار للديمقراطية جانبا، واستبعاد النقاش الضرورى بشأن هوية المجتمع والدولة الوطنية اللازمتين لبناء الديمقراطية وتمايزها الجذرى عن هوية مجتمع ودولة السلطوية الأمنية ومجتمع ودولة السلطوية المستدعية للدين. 3) الإبقاء على الصراع على الحكم / السلطة فى مصر ــ على بؤسه وتهافته هو الآخر – مقتصرا على مؤسسات وأجهزة ونخب السلطوية الجديدة وفى المواجهة جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها.
فى خطابها وممارساتها، تحمل هذه الطائفة من معارضى السلطوية الجديدة الكثير من الأختام الزائفة كالنقاء الثورى وتستند إلى الكثير من المقولات المتهافتة كالعنف الثورى 1) لطرح سلطويتها البديلة «كحل وحيد» به خلاص الناس، 2) لإسكات الأصوات السلمية التى تتهم إفكا وجهلا بمهادنة السلطوية الجديدة، ولتمرير احتكار زائف وفاسد من قبل جماعة الإخوان وحلفائها لحق الحديث الحصرى باسم الثورة والديمقراطية والعدل – تماما كما يحتكر السلطويون الجدد زيفا وفاسدا الحق الحصرى للحديث باسم الوطنية وهويتها وباسم الحفاظ على الدولة الوطنية وحمايتها من السقوط وباسم مقتضيات الأمن القومى ومواجهة مؤامرات الداخل والخارج، 3) لإلحاق تجريد الفكرة الديمقراطية من الجوهر السلمى بفصل تعسفى وكارثى بين الفكرة الديمقراطية وبين شروط الحداثة والتقدم والالتحاق بإنسانية العقل والعلم والتى بدونها يتواصل غياب المجتمع الذى يريده الديمقراطيون والدولة الوطنية التى يبحثون عنها ــ بل ومواطننا المثالى المطالب بالحقوق والحريات. هذه الطائفة، فى عبارة قصيرة، تعارض السلطوية الجديدة وهى لا تسعى إلا لاستبدالها وتتشدق بالديمقراطية وهى ليس لها إلا كل ما يتناقض معها.