الليلة الدامية التى عاشتها شوارع القاهرة والجيزة حتى فجر الثلاثاء من مواجهات بين المتظاهرين المؤيدين للرئيس المعزول وأهالى مناطق عديدة سارت فيها التظاهرات تثبت أن الإخوان المسلمين فى حاجة ماسة لمراجعة أنفسهم، والعدول عن الاستراتيجية التى يتبعونها لأنها تؤدى إلى مزيد من عزلتهم شعبيا، وتصاعد منسوب الكراهية لهم. ولم تعد المواجهة بين إخوان وجيش، لكنها امتدت للصدام مع المواطنين العاديين. مؤشر خطير ينبغى أن يقلق أى حركة سياسية تراهن على شعبيتها.
يبدو أن الخيارات أمام الإخوان المسلمين تتقلص، ودخلوا فى معادلة «إما.. أو». الخيار الأول: الاستبسال فى الحشد الجماهيرى فى «رابعة العدوية»، والتظاهرات المتفرقة التى تقطع الطرق فى الليل، فضلا عن إشعال الموقف فى سيناء، وربما يتجهون إلى مناطق أخرى. الخيار الثانى: المراجعة الذاتية لاستيعاب ما حدث، ومحاولة جمع أشلاء الجماعة والحزب وفق رؤية جديدة، وتقديم أوراق اعتماد جديدة للمجتمع الذى صار بينهم وبينه جبل من الجليد.
السيناريو الأول الأقرب إلى ذهن المتصدرين للمشهد رغبة فى الضغط على مفاصل المجتمع لتقليل الخسائر وفق منطق الصفقات الذى ينكرونه لكنهم يتمنونه، وهم على استعداد للتضحية بمطالبهم وفى مقدمتها إعادة الرئيس المعزول إذا كانت التهدئة والقبول بالأمر الواقع تسمح بخروج آمن للقيادات التى تخوض معركة بقائها فى المقام الأول. سيناريو «الصمود» يزيد من الأخطاء، وقد ينتهى بمآس يدفع الإخوان المسلمون ثمنها الباهظ، مما يجعل المصالحة شبه مستحيلة، ويتحول الرفض الشعبى المتصاعد والعنيف إلى معول اجتثاث للجماعة وقياداتها.
السيناريو الثانى الذى يرتطم بمصالح نخبة مهيمنة على مقاليد الأمور فى الجماعة التى تتشح برداء الصمود الظاهرى هو المراجعة الذاتية التى تبدأ بالاعتراف بخطأ الاستحواذ والتمكين وإقصاء المختلفين، ثم مراجعة الأفكار التى أدت إلى حالة الحصار التى تعانى منها الجماعة حاليا، وانتهاء بتطوير الفكر والحركة.
أعرف أن اللحظة الراهنة قد تكون غير مناسبة للإخوان المسلمين لإجراء مراجعة ذاتية، فاحصة وقاسية، فهم أسرى المفاجأة الممزوجة بالشعور بالمظلومية، ويتحركون بحشودهم على أرض الواقع فى محاولة للخروج بأقل خسائر ممكنة، وهم على يقين أن الرئيس المعزول لن يعود، ويعيشون مرتعدين بما تخبئه لهم الأيام. ويبدو أن المنظرين والكتاب الذين ارتبطوا بالحركة الإسلامية منذ عقود لا يريدون خوض هذا الملف الشائك، والاعتراف بما آلت إليه الأمور مكتفين بالبقاء فى المربع الأول، وهو رفع لواء الشرعية الدستورية.
ولكن المراجعة الذاتية مطلوبة الآن أكثر من أى وقت مضى إذا أرادت هذه الحركة أن تخرج من عزلتها الشعبية، وتلملم أشلاءها المبعثرة. وأحسب أنها لا ينبغى أن تنتظر تعليمات التنظيم الدولى، بل تنظر إلى حالها فى واقعها المصرى، وتبدأ فى تقييم مسارها وفق نظرة وطنية غابت عنها.
هذه هى لحظة الشجاعة الفكرية التى تتطلب بروز قيادات جديدة تستطيع ممارسة النقد الذاتى، وتطرح رؤى مختلفة لمستقبل يبدو أنه يحمل فى ذاته مخاطر التضاؤل للتيار الإسلامى برمته، وليس فقط للإخوان المسلمين