فى المجتمع المصرى لا نهتم كثيرا بالصيانة، ونعتقد أن العمل اكتمل بتشييد المشروع أيا كان، حتى نفاجأ بعد فترة بأنه بات يحتاج إلى إصلاح شامل أو أنه تدهور إلى حد فقدان الغاية منه.
قرأت تصريحات لمسئولين يشيرون إلى أن الخط الأول من مترو الانفاق يعانى من مشكلات كبرى نتيجة غياب الصيانة على مدى سنوات طويلة، مما ترتب عليه كثرة أعطاله، وحاجته إلى ما يزيد على ثلاثين مليار جنيه لنجدته، وهو رقم كبير نسبيا، لكنه يعبر عن غياب الصيانة، وهو أمر يكاد يكون مكررا فى مشروعات عديدة، ومنشآت كثيرة، منها مرفق القطارات، وما يتعلق بالبنية الأساسية.
لا أريد أن ألوم الحكومة فقط. المواطن نفسه ليس عنده فكر الصيانة، هو يريد أن ينتظر حتى يصبح الإصلاح والتغيير «فرض واجب» نتيجة توقف سيارة أو عطل قاس فى جهاز فى منزله، وهكذا.
السبب وراء ذلك سواء على المستوى العام أو الشخصى هو ضعف الموارد، مما يجعل الشخص سواء كان متصرفا فى شأن عام أو خاص أن يتجه بالموارد المحدودة لإقامة شىء جديد يحتاجه أكثر من الانفاق على صيانة قديم قائم، ولاسيما إذا كان القديم يعمل حتى لو بكفاءة أقل أو فى ظل صعوبات يستطيع المصرى بذكائه وتحايله المهنى أن يتعامل معها.
المشكلة أننا عندما نترك مرفقا يتدهور نتيجة غياب الصيانة نقضى على فرص إصلاحه، ونجعل التغيير الشامل هو الحل الأمثل، تماما مثل المريض الذى يتغافل عن أعراض تبدو محدودة ثم ما يلبث بعد فترة من الاهمال أن يصبح المرض عضال، ويكون التدخل الجراحى هو الحل الوحيد المتاح. الصيانة تطيل عمر المرافق، وما ينفق على صيانتها ليس رفاهية بقدر ما هو ضرورة ملحة ينبغى القيام بها للحفاظ على إمكاناتها. ونظرا لأن الأسعار فى ارتفاع مستمر، فما تم انشاؤه فى السابق يحتاج إلى اضعاف الموارد التى انفقت عليه حتى ينشىء كيانا مماثلا له، وما كان يمكن أن ينفق على صيانة فى السابق نحتاج إلى اضعافه، اليوم، وهو ما يجعل المسألة صعبة، وميزانيات كثيرة، وتحديات كبرى، ونسمع عن مليارات عديدة للإصلاح، كان من الممكن أن تكون أقل بكثير إذا كانت توجه لصيانة المرافق وفق جدول زمنى يتطلبه كل مشروع، تماما مثل المراحل المختلفة لصيانة السيارة، والتى إن أهمل فيها صاحبها واجه مشكلات فى التعامل معها.
نحتاج إلى «فكر الصيانة» مثلما نرى فى عواصم غربية كلما مررنا فى شوارعها نجد حركة دءوبة للتجديد والإصلاح، وصيانة وتطوير ما هو قائم جنبا إلى جنب مع بناء مشروعات جديدة.
فكر الصيانة مسألة ينبغى أن نتعلمها من الصغر فى المدرسة حتى تتحول إلى ثقافة لدى المواطن المصرى أولا وأخرا.