تناولت فى مقال الأسبوع الماضى الإطار القانونى المنظم لإدارة الانتخابات البرلمانية، والمرتكز إلى دور اللجنة العليا للانتخابات، وتطرقت إلى مهمة الرقابة ومن يضطلع بها من بين منظمات المجتمع المدنى. واليوم أتابع ببعض الملاحظات النقدية حول النواقص المرتبطة بتكوين وعمل اللجنة العليا المخولة وفقا لقانون الانتخابات العامة والاستفتاء (2007) مسئولية الإشراف الكامل، وكذلك حول القيود التى تعترض مهمة الرقابة.
1 ــ ففى ما خص تكوين اللجنة العليا، يضمن النص المتعلق باللجنة فى قانون الانتخابات العامة والاستفتاء 2007 (الباب الرابع، المادة 26) استقلاليتها الاسمية عن كل من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، حيث تقتصر عضوية اللجنة على تسعة أعضاء وهم «ثلاثة قضاة من كل من المحاكم العليا الثلاث وهى النقض والإدارية العليا والدستورية العليا يتم انتخابهم من الجمعيات العمومية لهذه المحاكم التى يعملون بها دون أى تدخل من وزير العدل، ولا يدخل فى عضوية هذه اللجنة أعضاء النيابة العامة ولا رجال القضاء المنتدبين لمناصب إدارية». غير أن قاعدة الاستقلالية لا تمتد إلى عضوية «اللجان العامة والموسعة والفرعية» التى تشكلها اللجنة العليا والتى تتولى الإدارة المباشرة للعملية الانتخابية، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لتدخل السلطة التنفيذية بأجهزتها، وفى المقدمة وزارة الداخلية. هنا يحوى قانون الانتخابات العامة والاستفتاء (الباب الرابع، المادة 27) النص التالى اللاغى عملا لتفرد السلطة القضائية بالإشراف على الانتخابات: «تشكل اللجان العامة والموسعة والفرعية التى يجرى فيها الاستفتاء أو الانتخاب من رئيس وعدد من الأعضاء لا يقل عن اثنين، ويعين أمين لكل لجنة. وتعين اللجنة العليا للانتخابات رؤساء اللجان العامة والموسعة والفرعية من القضاة كلما أمكن ذلك، على أنه يجب أن يكون جميع رؤساء اللجان العامة والموسعة من القضاة، ويختار أعضاء اللجان من بين العاملين فى اللجنة الخاصة بالجداول الانتخابية ويختار من بينهم أمناء اللجان جميعها. وفى جميع الأحوال يحدد القرار الصادر بتشكيل اللجنة العامة أو الموسعة أو الفرعية من يحل من أعضاء السلطة القضائية محل رئيس اللجنة عند غيابه أو وجود عذر يمنعه من العمل».
2 ــ منذ تكوينها، بعد التعديلات الدستورية والتعديلات التى أدخلت على قانون الانتخابات العامة فى 2007، لم يطمئن مجمل عمل اللجنة العليا وهى أشرفت على الانتخابات المحلية 2008 وانتخابات مجلس الشورى 2009 الرأى العام المصرى لجهة التزامها درجة مقبولة من الحيادية والنزاهة فى إدارة العملية الانتخابية، من تنقية وإعداد جداول الناخبين وتلقى أوراق المرشحين وتسجيلهم وعضوية اللجان العامة والموسعة والفرعية وإصدار التراخيص للمراقبين المحليين والإشراف على اللجان يوم الانتخاب. فعلى جميع هذه الأصعدة، أشار عمل اللجنة إلى نواقص عديدة ربما كان أبرزها رفض تسجيل العدد الأكبر من مرشحى جماعة الإخوان المسلمين فى الانتخابات المحلية 2008 إلى الحد الذى دفع الجماعة إلى مقاطعة الانتخابات، وفرض الكثير من القيود على الترخيص لمنظمات المجتمع المدنى للقيام برقابة الانتخابات فى 2008 و2009، والتعامل بمرونة شديدة مع تدخل ممثلى السلطة التنفيذية فى سير العملية الانتخابية وما ارتبط بذلك من تجاوزات وخروقات وتزوير. والمحصلة النهائية هى أن اللجنة العليا وبعد خبرة الأعوام القليلة الماضية بات ينظر لها من قبل الرأى العام المصرى والرأى العام العالمى (المهتم) بسلبية بالغة تتخوف من كونها مجرد أداة للسلطة التنفيذية للتلاعب بالانتخابات وتتشكك فى قدرتها على التزام الحيادية والنزاهة.
3 ــ كذلك، وفى تناغم كامل مع الموقف المعلن للحكومة المصرية وللحزب الحاكم يدلل أيضا على الهشاشة الفعلية لاستقلاليتها، دأب أعضاء اللجنة العليا على رفض الرقابة الدولية على الانتخابات وتبنوا ذات المقولات المغلوطة لممثلى الحكومة التى تدعى رفض الرقابة الدولية لكونها تشكل انتهاكا للسيادة الوطنية وتدخلا فى الشأن الداخلى ومحاولة لإحلال المراقبين الدوليين محل نظرائهم المحليين ولأن مصر المستقرة وعلى عكس الدول التى تعانى من حروب أهلية أو صراعات مسلحة ليست فى حاجة إليها. اللافت هنا هو تماهى قضاة اللجنة العليا مع الموقف الرسمى، على الرغم من معرفتهم كرجال قانون بخلفياته التبريرية والسياسية وإدراكهم لتهافت مقولاته إن بالنظر إلى حقيقة ترحيب معظم الدول المستقرة بما فيها الدول العظمى كالولايات المتحدة والاتحاد الروسى والدول غير الديموقراطية كالصين بالرقابة الدولية، أو لأن مهمة المراقبين الدوليين هى مساعدة المحليين فى متابعة مختلف تفاصيل العملية الانتخابية وتوثيق التجاوزات والخروقات إن حدثت.
4 ــ أما قضية الرقابة على الانتخابات، منظورا إليها من زاوية المجتمع المدنى المصرى، فترتبط بثنائية الجهد الرائع الذى تقوم به المنظمات المدنية منذ تسعينيات القرن الماضى للاضطلاع الفعال بمهمة الرقابة فى مقابل القيود والعقبات القانونية والإجرائية والأمنية التى دوما ما فرضتها السلطة التنفيذية على الرقابة. وواقع الأمر أن القيود والعقبات تبدأ فى اللحظة الراهنة برفض اللجنة العليا الترخيص للعديد من المنظمات لرقابة الانتخابات، ومحاباة المنظمات القريبة من السلطة التنفيذية بإعطائها التراخيص، والتخاذل عن حماية المستقلين بين المراقبين المحليين إزاء تعسف ممثلى السلطة التنفيذية، وتجاهل تقارير المراقبين المحليين والتعامل مع ما توثقه من تجاوزات وخروقات باستخفاف. ثم يستمر التضييق العام على المراقبين المحليين من خلال تشكيك الإعلام الحكومى فى حياديتهم ونزاهتهم من بوابة حصول بعضهم على مساعدات مالية وتدريبية ولوجيستية من منظمات غير حكومية غربية (وأحيانا من برامج حكومية غربية) فى سياق الإعداد للرقابة على الانتخابات.
5 ــ إلا أن العامل المشجع هنا يتمثل فى الكيفية التى تطور بها تعامل المجتمع المدنى المصرى مع مثل هذه القيود ومحاولات التشكيك. فمن جهة، ثمة جهد منظم اليوم قبل الانتخابات البرلمانية لتجاوز عقبة الحصول على الترخيص بتكوين شبكات واسعة للرقابة ينضوى تحت لواءها العديد من الفاعلين (كالتحالف المصرى للرقابة على الانتخابات البرلمانية وبه ما يقرب من 120 منظمة) على نحو يقلل جديا من احتمالية رفض اللجنة العليا منح التراخيص. من جهة أخرى، يسعى الكثير من المراقبين إلى الحصول على توكيلات مباشرة من المرشحين فى الانتخابات لتمثيلهم فى اللجان الانتخابية ومن ثم القيام بمهمة الرقابة، وهو الحق المكفول فى قانون الانتخابات العامة 2007 (الباب الرابع، المادة 27). كذلك تحول خطاب المجتمع المدنى حول علاقة منظماته بالحكومات والمنظمات غير الحكومية الغربية من خطاب دفاعى يشدد على استمرار الحيادية والنزاهة على الرغم من تلقى المساعدات من الغرب، إلى خطاب إيجابى يفصل فوائد المساعدات الغربية واحتياج المجتمع المدنى فى مصر إليها للاضطلاع بمهمة الرقابة بشكل أفضل، بل ويطالب أيضا بالرقابة الدولية.
6 ــ مطالبة المجتمع المدنى المصرى بالرقابة الدولية بما تتضمنه من رقابة على الإجراءات السابقة ليوم الانتخاب (تنقية جداول الناخبين وتسجيل المرشحين والترخيص للمراقبين المحليين وحظوظ المتنافسين من التغطية الإعلامية وغيرها) ورقابة فى يوم الانتخاب يعقبها إصدار التقارير، وتوجه بعض أحزاب وحركات المعارضة كالغد والجبهة الديموقراطية والجمعية الوطنية للتغيير وجماعة الإخوان المسلمين لتأييد مطالبة المجتمع المدنى هذه، هى العامل المشجع الثانى حين النظر إلى عموم مشهد الإدارة والإشراف والرقابة على الانتخابات. فمع استمرار التجاوزات والخروقات الحكومية فى انتخابات 2008 و2009 والتبعية الواضحة للجنة العليا للسلطة التنفيذية، لم يعد لا المجتمع المدنى ولا قطاع واسع من المعارضة ينظران بتخوف للرقابة الدولية أو يأخذان مقولات الموقف الرسمى بشأن انتهاك السيادة الوطنية والتدخل فى الشأن المصرى بجدية. بل إن بعض استطلاعات الرأى العام الأخيرة، وتلك أجرتها بالأساس هيئات دولية كبيت الحرية، أظهرت تأييد قطاع معتبر من المواطنين المصريين للرقابة الدولية كفعل مساعد للرقابة المحلية. أما المحبط هنا فهو استمرار الرفض الحكومى للرقابة الدولية والاستخفاف بالمطالبة بها. المرجح هو أن الرقابة الدولية فى 2010 سترفض رسميا كما رفضت فى 2005. والمرجح أيضا هو أن الحكومة ستقبل فى 2010 كما قبلت فى 2005 وجود بعض المراقبين الدوليين فى بعض اللجان يوم الانتخاب وديا ودون ضجة إعلامية بهدف الحد من الانتقادات الصادرة عن بعض الحكومات الغربية، خاصة الإدارة الأمريكية التى دعت مصر علنا لقبول الرقابة الدولية.