هناك من يقول إن التعايش بين حماس وإسرائيل لم يعد ممكنا، من هؤلاء دنيس روس، المنسق الامريكى للسلام السابق فى الشرق الأوسط، ورأيه انه كان فى الأعوام الماضية مساحة من التعايش تقوم على أن حماس تطلق صواريخ غير مؤثرة، ترد عليها إسرائيل بقصف غزة لبضعة ايام، ثم يتدخل الوسطاء وفى مقدمتهم مصر للتهدئة، والوصول إلى هدنة، مع وعود من بعض الدول بإعادة إعمار ما تهدم من غزة.
هذه المرة لم يعد ممكنا البقاء على هذا السيناريو بالنظر إلى اتساع نطاق العملية النوعية التى قامت بها حماس، وما خلفته من عدد غير مسبوق من القتلى والجرحى والرهائن فى صفوف الإسرائيليين، لم تعرفه إسرائيل منذ نحو خمسين عاما. وما يقوله دنيس روس يردده أيضا القادة الإسرائيليون مثل قول أحدهم إما غزة بدون حماس أو بدون شعب.
وبصرف النظر عن الخطط والحسابات، فإن حماس سوف تظل طالما بقيت إسرائيل نفسها، وأعنى بإسرائيل عقيدة النخب الحاكمة ومؤسسات الدولة وليس الدولة بالمعنى الكلاسيكى، لأنهما يتشاركان فى نفس الهدف، ويتبعان نفس التكتيكات والاساليب. إنه التناقض الذى يحافظ على حياة النقيضين معا. فقد اختارت إسرائيل ان تكون حماس، وليس السلطة الفلسطينية هى الطرف المقابل لها، وأدت سياساتها إلى تقوية حماس، واضعاف السلطة الفلسطينية التى باتت هدفا مشتركا لكل من إسرائيل وحماس معا، وأبعد من ذلك، هناك ما يشبه الاتفاق الضمنى بينهما على تقويض عملية السلام. ودليل على هذا التفاهم المشترك أن إسرائيل وما عرف بجبهة الرفض أو الممانعة، وفى مقدمتها حماس، استطاعت على مدى ثلاثين عاما تقويض اتفاقات اوسلو، وصار الوضع على الأرض أكثر سوءا مما كان عليه فى عام ١٩٩٣. غيب الموت إسحق رابين برصاص متطرف إسرائيلى، وياسر عرفات بحصار خانق لشهور طويلة، ليخرج اليمين الإسرائيلى وحماس منتصرين، يهيمنان على المشهد بقوة السلاح.
من هنا لن يتحقق رأى دنيس روس، ومن لف لفه، لأنه طالما ظلت السلطة الإسرائيلية تطبق سياسات متطرفة على الأرض، لن تجد أمامها سوى حماس وشقيقاتها من الفصائل الأخرى المسلحة. وكما ان إسرائيل تلقى دعما أمريكيا بلا حدود، تتلقى حماس أيضا دعما معتبرا من خصوم الولايات المتحدة دولا وميليشيات. أما أوروبا الممزقة فهى مثل حالها على مدى سنوات حائرة، منقسمة، تقدم رجلا وتؤخر أخرى، بين بريطانيا والسويد والدنمارك الداعمين لإسرائيل، وآخرين، وهم الغالبية، يمسكون العصا من المنتصف بين اعلان دعم إسرائيل من ناحية، والمطالبة بالحفاظ على المدنيين الفلسطينيين من جهة أخرى، وتخشى أوروبا انفلات الأوضاع فى شرق وجنوب المتوسط، على غرار الحرب الممتدة فى أوكرانيا، وتتحسب للمظاهرات الحاشدة المؤيدة للفلسطينيين فى ميادينها الكبرى، وتراقب قلقة الأوضاع خوفا من أعمال إرهابية قد تطولها فى عمق أراضيها.
اذن طالما ان معادلة السياسة الإسرائيلية كما هى بصلفها وعدوانيتها، سوف تظل حماس كما هى، تستيقظ وتضرب ثم تتقلم أظفارها قليلا وتخبو، وبعد ذلك تعود مجددا. الحل ليس فقط فى مواجهة حماس، ولكن فى تسوية القضية الفلسطينية، بصورة عادلة وشاملة، وإزالة اسباب التوتر والانفجار حتى تغلب قوى السلام بدعم دولى واقليمى، وتتبلور مصالح اقتصادية مشتركة حاضنة لأى اتفاقات تسوية، وتتوارى القوى المعادية للسلام. ولكن إن ظلت إسرائيل ليست راغبة فى السلام، فإن حماس سوف تستمر، وتتطور، وتزداد تأثيرا.