العرب و«تجنيس» العرب..! - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 9:59 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العرب و«تجنيس» العرب..!

نشر فى : الجمعة 17 نوفمبر 2017 - 9:35 م | آخر تحديث : الجمعة 17 نوفمبر 2017 - 9:35 م
نشرت صحيفة الغد الأردنية مقال للكاتب «علاء الدين أبو زينة» وجاء فيه: فى حوار بين صديقين، أحدهما مقيم فى الولايات المتحدة والآخر فى دولة عربية، رد «الأمريكى» على الآخر الذى يعدِّد «مكاسب» اغترابه، بأن أمريكا منحته جنسيتها بكل امتيازاتها، بينما الآخر العربى المغترب فى الدولة العربية لا يزال «وافدا» بلا أى من مزايا المواطنة. بل إن هناك فى أكثر من دولة عربية «سكان» يفترض أنهم أصليون، لكنهم محرومون من المواطنة لمختلف الاعتبارات. وفى حالة المغتربين العرب ــ الغرباء فى بلاد يُفترض ألا يكونوا فيها مغرَّبين ــ فإنهم ربما يقيمون فى البلد العربى الآخر عقودا وينجبون فيها أولادهم ويشيخون، ويظلون مغتربين. وفى الأساس، يعنى مجرد وجودهم هناك أن لديهم شيئا تحتاج إليه الدولة المضيفة، يسهمون به فى مشروعها ولا غنى عنه. لكن طول الإقامة وأى خدمة تُقدم لا تعنى تقدير مساهمته إلى حد احتضانه بود.

الدول الغربية التى تمنح الجنسيات للذين يعملون ويعيشون فيها ليست غبية. ومع كل الحديث عن رفض الغرب التعددية الثقافية، وكراهيته الأجانب ومناهضته المهاجرين، فإن القوانين والعقلية السائدة هناك تسمح بالتجنيس كل الوقت. وكنا نسمع منذ زمن أن الجامعة أو المؤسسة الغربية إذا وجدت طالبا أو موظفا متميزا فى الكفاءة، عرضت عليه هى جنسية البلد حتى لو لم يطلبها. والفكرة دائما هى إغناء البلد وتعزيز تقدمه. ولنتأمل أسماء العلماء ورجال الأعمال والأكاديميين – وحتى الساسة الذين وصلوا رئاسة دول ــ من «الغرباء» الذين لمعوا فى تلك البلدان، من العرب إلى الهنود والأفارقة والصينيين وكل ملة وجنس. هناك، ليست الجنسية شيئا مقدسا أو مُعطى قَبْليا يُعطى للناس مثل الهبة الإلهية، وإنما هى شأن عملى يخضع لحسابات دنيوية. والذى يفصل فيه هو القوانين والعقل، وليس العواطف الشوفينية.

فى البلدان العربية، ليس هناك الكثير من محاذير الغرب. ليس هناك شىء اسمه « تعدد الثقافات»، لأن الثقافة واحدة. وليس هناك شىء اسمه «اختلاط الأعراق»، لأن العِرق واحد تقريبا. وليس هناك شىء اسمه «خطر الدين المختلف»، لأن العقيدة السائدة تقريبا واحدة. ومع ذلك يتحدث بعض العرب عن «نقاء العرق»، وينطوون على نوع من الشعور بالتفوق «العرقى» المختلق على مواطنيهم. وهناك الانطباع المكرس فى نفسية معظم المجتمعات الغنية بأن المغترب فيها شبه متسوِّل، يُمنَح عملا يعيش منه، ويحوِّل نقود البلد إلى الخارج.

فى المستوى الأعقد، يتعلق الأمر بالتوازنات الطائفية أو الدينية أو الفئوية التى لا تريد أنظمة لها أن تختل، ودائما لحساب طائفة أو طبقة أو فئة على حساب أخريات. ولذلك، لا تمنح بعض الدول العربية الجنسية لأفراد أصليين بكل التعريفات العالمية، بما فى ذلك حق الولادة والإقامة أبا عن جد. لكن الأسوأ فى موضوع الجنسية، هو طبقية المواطنة فى معظم التكوينات العربية. وفى هذه التكوينات، تتمتع بعض فئات «السكان» بجنسية اعتبارية، مسجلة على الورق دون الوصول الفعلى إلى ما ينبغى أن تكفله الجنسية، لغرض حفظ امتيازات وإدامة معادلات، فى ازدراء صريح لمبدأ حكم القانون والمساواة.

إننا نشاهد مباراة كرة قدم لمنتخبات دول مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا، فنندهش من ألوان وأصول اللاعبين الذين يضعون أيديهم على صدورهم ويرددون الأناشيد الوطنية لتلك الدول، ويصنعون لها السُمعة والفوز. وفى المقابل، يتمسك العقل السياسى العربى بالصغائر على حساب ما هو عملى ومفيد. فالولاءات للأوطان ليست بالضرورة شيئا موروثا بالجينات بقدر ما تتعلق بالأخذ والعطاء والتفاوض. ومن الطبيعى توقُع أن يوالى الفرد مكانا يحتضنه ويقدره ويعطيه بالمثل ــ خاصة أن انتماء العربى إلى المكان العربى طبيعى ولا يحتاج إلى تطبيع، ويكفى تأمل النموذج الأمريكى حيث لا أحد أمريكى أصلى إلا الهنود الحمر، لكن الكل أمريكيون يصنعون أقوى أمة فى العالم.

أما فى مناطقنا، فالمواطنة محرمة على العربى فى غير الحدود التى ولد فيها – أو حتى فى داخل التى ولد فيها هو وجدُه، حين يُستهدف «سكان» أصليون بالإلغاء المعنوى والجسدى فى كثير من الأحيان، بسبب العرق والدين والطائفة، وكأنهم طارئون. وليست هذه وصفة لحرمان الأوطان العربية من طاقات حرامٌ هدرها فحسب، وإنما هى وصفة للتدمير الذاتى والحروب والانفصال والتغريب، حيث لا ينبغى أن يكون أحد غريبا!.

الغد ــ الأردن

 

التعليقات