** يستعد شارع الكرة المصرية والأفريقية لمباراة القمة بين الأهلى والزمالك على لقب بطل دورى أبطال القارة. وموعدها 27 نوفمبر. وهى قمة فريدة لأنها الأولى فى تاريخ المسابقة الأفريقية، التى يتنافس فيها فريقان من دولة واحدة على اللقب.. كذلك فإن ديربى الأهلى والزمالك ظاهرة مميزة فى الكرة المصرية وبين ديربيات عالمية فيما يتعلق بالاسباب التى صنعت المنافسة بين الفريقين الكبيرين.. وهذا الأمر ما أحببت دائما أن أشبهه بالدراما.. كيف ؟
** يقول اساتذة الدراما: «إن مفتاح الدراما القوية التى تشد أنظار المتفرجين وتحبس أنفاسهم، هى التى يتخاصم فيها طرفان على مستوى واحد من القوة ووجود أى طرف ثالث يشتت انتباه المتفرج ويصب ماء باردا على الصراع الساخن».. وربما لا يوجد حتى الآن هذا الطرف الثالث الذى يصب الماء البارد على الصراع الساخن بين الأهلى والزمالك. ففى أحيان يظهر الاسماعيلى أو الترسانة أو الاتحاد السكندرى، وفى أحيان يطل فريق جديد مثل المقاولون العرب فى الثمانينيات أو بيراميدز فى الوقت الراهن. لكن يدخل هذا الطرف الثالث دائرة القمة لفترة ثم يغادرها سريعا ولا يستمر..؟!
** منذ قرابة المائة عام تعيش كرة القدم المصرية ظاهرة الأهلى والزمالك التى تشد أنظار المتفرجين وتحبس أنفاسهم كلما التقيا فى مباراة.. وكان يقال إن القاهرة ترتجف فى مباريات القمة وأن الأمن يستريح بانتهاء اللقاء بالتعادل وحتى لا يغضب أحد الجمهورين. وهى فى جميع الأحوال بطولة خاصة يحسب فيها كل معسكر عدد مرات فوزه وعدد الأهداف التى سجلها. وتشهد بعض المباريات أزمات عنيفة وتشهد مباريات أخرى انتصارات مدوية لطرف على طرف فتعيش القاهرة مظاهرات فرح صاخبة.
** ومثل الدراما المحبوكة تتصاعد الأحداث وتتوتر الأعصاب عندما يشتد الصراع وتكون كفة القطبين متساوية فى القوة. كما هو الحال فى مباراة نهائى أفريقيا القادمة وفقا لأداء الفريقين فى الدور قبل النهائى توضع الأيدى على الرءوس أو القلوب، لاسيما فى الظروف التى عاشتها كرة القدم المصرية والحركة الرياضية المصرية فى السنوات الأخير بارتفاع درجات الاحتقان، نتيجة «حفلات الشماتة والإساءة» فيما يسمى «بالتحفيل». بجانب قصور إعلامى لعدم تناول المنافسة بين الناديين بما يتفق مع القيم الرياضية، ونتيجة لعدم مواجهة الخروج على القانون بقوة وحسم فى أسرع وقت، مما جعل الاحتتقان ينمو ويكبر ويتحول إلى كرة نار تحرق الأخلاق وتشوهها فى طريقها إلى هدفها، وهو عقول وقلوب شباب المشجعين وكبارهم!
** فى فترة الستينيات من القرن العشرين كانت درجات المنافسة والصراع بين الأهلى والزمالك مرتفعة لأسباب رياضية واجتماعية وسياسية عديدة. وقد جسد الفن هذه الصورة عندما ترنمت الفنانة صباح، وترنم معها ملايين المصريين بأغنية: «بين الأهلى والزمالك.. محتارة والله».. وكانت مصر فى ذلك الوقت تبدو وكأنها تعيش هذه الحيرة، فجماهير كرة القدم منقسمة بين الناديين، ونجوم ومشاهير المجتمع فى الفن والأدب والسياسة والصحافة، حائرون بين الاثنين.. الأهلى والزمالك.. وأصبحت هذه الأغنية نشيدا كرويا يعزف كلما وقعت مواجهة بين الفريقين.. والملفت للنظر أن نجوم المجتمع فى تلك الفترة كانوا يعبرون بطرافة عن الانتماء إلى أحد الفريقين دون إيذاء لمشاعرهم ودون أن يؤذى هذا الاعتراف من جانبهم مشاعر جماهيرهم!
** الأهلى والزمالك دراما قائمة فى كرة القدم المصرية منذ قرابة المائة عام.. وهما يجسدان ما يسمى بظاهرة القطبية.. وهى ظاهرة كونية بشرية، وهى أيضا ظاهرة رياضية وكروية عربية وعالمية.. وهى دراما يستحق فيها الكلام وتستحق فيها الرواية. إن شاء الله..