أين المجتمع المدنى بمنظماته العاملة فى مجال حقوق الإنسان ومكافحة وتعقب الفساد وقضايا المرأة وحقوق المواطنة المتساوية بين المسلمين والأقباط مما يحدث الآن فى مصر وما الدور الذى يمكن أن يضطلعوا به فى المرحلة الانتقالية؟ فى مؤتمر صحفى عقدته مجموعة الانتقال الديمقراطى منذ يومين أثارت ناشطة السؤال هذا متعجبة من خفوت صوت المجتمع المدنى هذه الأيام.
وأضم صوتى لصوت الناشطة العزيزة مسجلا قلقى من الخفوت هذا، وأوجه السؤال بدورى إلى منظمات المجتمع المدنى داعيا إياها إلى التحرك بسرعة والتنسيق فيما بينها للتعامل مع تحديات المرحلة الانتقالية وما بعدها. فبجانب قضايا الإصلاح الدستورى والقانونى والسياسى، وتلك تدار من قبل اللجنة التى شكلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة ولم يحدث إلى اليوم حوار حولها مع القوى الوطنية المختلفة، نحتاج للمجتمع المدنى للشروع فى التعامل مع قضايا مركزية أخرى.
طوال السنوات الماضية عملت المنظمات الحقوقية على إعداد رؤى وبرامج محددة لمكافحة انتهاكات حقوق الإنسان والحد منها ومعاقبة المتورطين بها وما يستدعيه كل هذا من إصلاح فى القوانين والممارسات ومن آليات وضمانات قانونية وسياسية. ينبغى الآن على هذه المنظمات أن تخبر الرأى العام، بجانب مخاطبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بالمراد تحقيقه وتتحرك كجماعة ضغط للتعبئة من أجله. وربما تشكل مطالبة المنظمات الحقوقية بالمشاركة كطرف أصيل فى اللجان، التى أعلن المجلس الأعلى عن قرب تكوينها للتحقيق فى انتهاكات حقوق الإنسان خلال أيام الثورة المصرية خطوة أولى جيدة على هذا الطريق.
نحتاج أيضا إلى المجتمع المدنى للتعامل بجدية مع ملفات الفساد وتعقب الفاسدين. فقد عمل العديد من المنظمات على قضايا الفساد طويلا ولديها القدرة على الإسهام فى لجان التحقيق المزمع تشكيلها على نحو يضمن شراكة حقيقية بين المكون الحكومى وغير الحكومى ويحمى اللجان أيضا من ثم من محاولات تحايل واحتواء قد تتورط بها بعض الأجهزة الحكومية.
ثم هناك المنظمات الجمعيات العاملة فى مجال الانتخابات، نظما وقوانينا ورقابة وتوعية وهى جميعا ينبغى أن تكون أطرافا فاعلة فى المداولات، التى تجريها الآن اللجنة الدستورية حول مواد الدستور المراد تعديلها والقوانين المكملة ومن بينها تلك المتعلقة بالانتخابات. لدى المجتمع المدنى إدراك عميق للإصلاحات، التى لابد أن نجريها على النظم الانتخابية لضمان النزاهة والتعددية والمشاركة الفعالة من قبل المواطنين.
كذلك هناك عقدة كبرى تواجهها كل الدول التى تمر بمرحلة انتقالية بعد انهيار الصيغة السلطوية القمعية الحاكمة، ألا وهى كيفية إصلاح الأجهزة الأمنية. البعض من المنظمات المدنية فى مصر طور خطط وبرامج لإصلاح الأمن مستفيدا من خبرات دول أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية خلال السنوات الماضية ويستطيع أن يوظف ذلك فى سياق لجان قد تشكل الآن أو بعد المرحلة الانتقالية بهدف إعادة بناء الأجهزة الأمنية بصورة تفعل قيم الشفافية واحترام حقوق الإنسان والمساءلة والمحاسبة. دون ذلك سيظل هدف إستعادة الشرطة لخدمة الوطن والمواطن وتخليصها من عقيدة خدمة النظام الحاكم، وهو ما تريده الأغلبية الساحقة من رجال الشرطة الشرفاء، هدفا بعيد المنال.
مثل هذه الإسهامات للمجتمع المدنى من شأنها إن مكن لها أن تضمن شراكة حقيقية بين مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدنى وتنزل من ثم المبدأ والممارسة الديمقراطية من السياقات الدستورية والقانونية والسياسية العليا إلى مناحى الفعل المجتمعى العام.