معجزة ثورة ٢٥ يناير التى نفخر بها جميعا قام بها بلا قيادة ضمير مصرى جمعى وطنى من شباب أبناء الطبقة المتوسطة الذين لا ينتمون للفصائل والأحزاب والنخب والرموز، وترك الشباب الميدان بعد أن قدم لبلده ما يراوح ألف شهيد وآلاف الجرحى والمعوقين . تسلمت الفصائل والنخب والرموز الثورة فقولبها كل فصيل الى أيديولوجيته ونسبتها النخب والرموز الى أنفسها، وافتقد الشباب الوافد على الثورة والمؤمن بها التثقيف السياسى الذى يؤهله لخدمة الثورة فراح يتوه بين الائتلافات والفصائل ويقع فريسة لناشرى الكراهية فى الساحة السياسية.
•••
لا يختلف اثنان على أن أداء وممارسات الفصائل والنخب دون استثناء كان قاصرا ومحدود الرؤية وحبست الفصائل والنخب نفسها داخل أحقاد قديمة ورغبة محمومة فى القفز الى مقاعد السلطة فى شعور طاغ بالاستعلاء والوصاية والأحقية فى الحكم. وتراجعت مصلحة الوطن وأحاطت الثورة بأسباب الانقسام وتحولت مصر العظيمة بعد٧٠٠٠ سنة من الحضارة والريادة الى دولة فاشلة بسبب خلافاتها العبثية وصراعاتها القبلية.
ولعل الأصل الحقيقى لهذا الصراع المشروع فى الممارسة السياسية والديموقراطية أن فصيلا بعينه فاز بالسلطة واحتل الصدارة فى القدرة على التنظيم والتواجد فى الشارع وأصبحت له قوة تصويتية هائلة تؤكد أن له وجودا فاعلا فى أى انتخابات قادمة فى الزمن القريب رغم ضعف أدائه بسبب عدم خبرته وخلفيته البعيدة عن الأصول السياسية، بينما يعرف قادة كل فصيل أو تيار آخر أن فرصه فى الفوز بعدد مقبول من المقاعد فى انتخابات مجلس النواب ما زالت ضعيفة لافتقاده لتنظيمات راسخة فى الشارع السياسى، ولهذا لم يعد أمام هذا الفريق إلا استخدام الحشد وتوظيف الكراهية للآخر كأداة سياسية والهجوم الكاسح بالاتهامات الظالمة والشائعات على الفريق الحاكم وتضخيم أخطائه وتحميله مسئولية أى خلل لا يد له فيه كضحايا السكة الحديدية واستشهاد احد الثوار، ووصل الأمر الى إغماض العين عن البلطجة وإلقاء المولوتوف وإغلاق المرافق الحكومية وقطع الطرق والتعدى على رمز الدولة ورئاستها.
وفى ذات الوقت نجد ضعفا ظاهرا فى الأداء الحكومى وقصوا فى تشكيل فريق الرئاسة والسكوت على بعض التجاوزات وعدم اكتمال الشفافية والأخطر من ذلك هو عزوف الرئيس عن التواصل مع الشعب بطرق مباشرة وفى اجتماعات جماهيرية رغم انه يحظى بتأييد ملحوظ بينها.
•••
وعلى الجانب الآخر تداعت بعض القوى المعارضة رغم تناقضاتها الجذرية الى التضامن فى جبهة موحدة للوقوف فى وجه الحزب الحاكم وهذا أمر مطلوب ومشروع إذا تم وفق آليات سياسية وديموقراطية فى انتخابات مجلس النواب القادمة والتى نستكمل بها بناء مؤسساتنا الديموقراطية يدور الصراع فيها داخل البرلمان بدلا من الميادين، وكلنا نتطلع الى معارضة قوية تساند تطوير ديموقراطيتنا الحديثة. واحب أن أوجه هنا تحية الصداقة والاحترام لكل الرموز والنخب المناضلة التى أرجو أن يستمر عطاؤها من أجل تقدم مصر ورفاهيتها.
•••
لم يعد أمامنا فى هذا الاستقطاب الحاد الذى يقوم على العنف والكراهية للآخر، وبعد عجزنا عن صياغة منافسة فاعلة تبعد عن التخريب والمولوتوف وإغماض العين عن البلطجة والاقتتال إلا أن نتجه الى الله أولا ثم الى ضمير كل وطنى مخلص فى أى فصيل ألا يجره التنافس السياسى إلى الإسهام فى انتحار قومى يدمر مصرنا الغالية على رؤوسنا جميعا ويهدر مستقبل الأجيال القادمة.
هذه كلمتى أقولها لمن عاتبنى أو هاجمنى لعله يفهمنى أو يعذرنى ويصدق أننى لا انحاز إلا لمصر