يا صديقى، اليمين واليسار المشار إليهما هنا هما، من جهة، الأحزاب والتيارات التى ساومت على الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات فى يوليو ٢٠١٣ وتبحث اليوم عن فرص للمشاركة فى الحياة السياسية عبر بوابتى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وعبر ساحات العمل التنفيذى.
قد تصدر أحزاب وتيارات اليمين واليسار هذه بعض البيانات التى تطالب بنزاهة العمليات الانتخابية أو قد تبدى شيئا من الاهتمام بانتهاكات الحقوق والحريات حين تتراجع الكلفة السياسية أو يسهل التوظيف الانتخابى أو قد يتضامنون مع الضحايا ويطالبون بجبر الضرر. إلا أنهم، وفى التحليل الأخير، يتأقلمون مع هيمنة المكون العسكرى ــ الأمنى بمزيج من القبول والمعارضة «المستكينة»، ويتقلبون بين التبرير والتجميل وبين السعى إلى الحد من الممارسات الأمنية وترشيد السياسة الرسمية دون تغييرها.
ثم نأتى يا صديقى إلى يمين ويسار آخر، مكوناته الناشئة هى المجموعات والأصوات التى رفضت تأييد تدخل المؤسسة العسكرية فى السياسة وتمسكت بالنضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات ولم تصمت عن الخروج على سيادة القانون أو توظف المعايير المزدوجة فى التعاطى مع انتهاكات الحقوق والحريات.
خلال الأشهر الماضية، اختبرت المجموعات والأصوات الديمقراطية فى القمع والتعقب وتقييد حرية التعبير عن الرأى وحملات التشويه المستمرة. اختبرت أيضا تورط اليمين واليسار المتحالف أو المتأقلم مع هيمنة المكون العسكرى ــ الأمنى إما فى إلصاق إفك الخيانة والعمالة و«الخلايا الإخوانية النائمة» برموزها وعناصرها أو فى ممارسة الاستعلاء عليها عبر تسفيه مبادئها وأفكارها وتصنيفها كرومانسية حالمة أو جهالة سياسية لا تدرك من اليمين واليسار إلا القشور أو كنضال كرتونى وتليفزيونى لا يبتغى إلا المصالح الذاتية.
على الرغم من الضغوط المتصاعدة وقسوة التيار العام الرافض للدفاع المبدئى عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، تماسك هذا اليمين واليسار الآخر ولم يتراجع لا عن نقد هيمنة المكون العسكرى ــ الأمنى والتحذير من خطر عسكرة الدولة والسياسة، ولا عن الامتناع عن المشاركة فى انتخابات لا تتوافر لها ضمانات النزاهة والتنافسية والشفافية وقد تبتعد بها مؤسسات الدولة عن الحياد المطلوب.
وكما تعطلت الاختلافات بين اليمين واليسار المتحالف أو المتأقلم مع هيمنة المكون العسكرى ــ الأمنى، تعطلت أيضا الاختلافات المبدئية بين اليمين واليسار الآخر الذى لم يتنازل عن النضال من أجل الديمقراطية. نعم تتفاوت الرؤى للقضايا الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن التمسك بحلم التحول الديمقراطى والحق والحرية والكرامة الإنسانية يجمع مجموعات وأصوات اليمين واليسار هذه ويلزمها بالبحث عن إمكانيات البناء طويل المدى لتيار ديمقراطى عام يقترب من المواطن بصبر طلبا للثقة وللتأييد دون استعلاء على ظروفه الحياتية الصعبة ودون مساومة على المبادئ.
موقعك هنا، يا صديقى، فى دوائر هذا اليمين واليسار الآخر الذى تعطلت اختلافاته والذى يوما ما سيصنع للمصريات وللمصريين الدولة الديمقراطية التى يستحقونها والمجتمع العادل والمتقدم الذى طال انتظاره. موقعك هنا!
غدًا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.