اللاءات الثلاثة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 8:21 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اللاءات الثلاثة

نشر فى : الإثنين 18 أبريل 2016 - 10:15 م | آخر تحديث : الإثنين 18 أبريل 2016 - 10:15 م
لا تستمعوا إلا لى،لا تتحدثوا فى هذا الأمر بعد الآن، لا تقارنوا بيننا وبينكم؛ لاءات ثلاثة صدرت خلال الفترة الماضية عن الحكم فى مصر وتقطع بطبيعته السلطوية.

من جهة، جاء الأمر بوجوب تجاهل جميع الأصوات والآراء عدا صوت ورأى رأس السلطة التنفيذية كاشفا لرفض الحكم للتداول الحر للمعلومات إن بشأن حقوق الإنسان والحريات، أو فيما خص القضايا الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. من جهة أخرى، كشف الأمر «لا تستمعوا إلا لى» عن ازدراء الحكم لتنوع الآراء وتعامله مع التنوع كخطر يهدد البلاد وأهلها وتصنيفه لأصحاب الآراء الأخرى كأهل شر يريدون الخراب والدمار. وعلى قاعدة ازدراء تنوع الآراء يستند ادعاء الحكم فى مصر احتكار الحقيقة المطلقة، واستعداده المستمر لقمع المعارضين لإسكات أصواتهم، ورغبته فى استتباع جميع التنظيمات الوسيطة كالمجتمع المدنى والإعلام المستقل لكونها تقف عائقا دون هيمنة الصوت والرأى الرسميين دون مقاومة.

أما اللا الثانية، لا:«لا تتحدثوا فى هذا الأمر بعد الآن»، فدللت على نظرة الحكم شديدة البدائية إلى المواطن وحقه فى طلب المعلومة وفى التعبير الحر عن الرأى وفى الاهتمام بالقضايا والأمور العامة. ليس المصرى هنا سوى فرد من «الرعية» يأذن له الحاكم بالحديث عن «الأمر» أو لا يأذن. ليس المصرى هنا صاحب حق أصيل يتيح له المطالبة بالشفافية فى التعامل مع «أمر» كترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، أو المطالبة بمعرفة التفاصيل الحقيقية لجرائم القتل خارج القانون والاختفاء القسرى والتعذيب داخل أماكن الاحتجاز وغيرها، أو المطالبة بمساءلة ومحاسبة الحكم على إخفاقاته وتجاوزاته. المصريون هنا ليسوا مواطنين، بل رعايا يتعين عليهم الالتزام بأوامر ونواهى الحكم بشأن القضايا والأمور العامة. ونتيجة اللا الثانية هى الإلغاء الفعلى لحق الناس فى الاختيار الحر والتأسيس لدولة الأخ الكبير.


ثم جاءت اللا الثالثة: «لا تقارنوا بيننا وبينكم»، فى سياق حديث رأس السلطة التنفيذية عن «قراءة» أوروبا للأوضاع المصرية ولحالة حقوق الإنسان بها. مضمون اللا الثالثة هو، من جهة، تبرير الخروج على التحول الديمقراطى وجرائم وانتهاكات الحقوق والحريات بين ظهرانينا «كخصوصية مصرية» يعجز الأوروبيون عن إدراكها وينبغى عليهم من ثم الامتناع عن تقييمها وانتقادها. من جهة أخرى، للا الثالثة مضمون يرتبط بتجريدنا كمصريات ومصريين نبحث عن الانعتاق من دولة الأخ الكبير، تجريدنا من الأمل فى غد حر وديمقراطى قريب.

وبهذه اللا«لا تقارنوا بيننا وبينكم» يحكم إغلاق آخر حلقات السلطوية. فبعد أن يلزم الناس بالاستماع إلى الصوت والرأى الأوحد لرأس السلطة التنفيذية ويمنعون من الاهتمام بالقضايا والأمور العامة ما لم يؤذن لهم من على، يعزلون «كرعية بلد له وضع خاص» عن غيرهم من شعوب العالم وتصنع الحواجز الفاصلة بينهم وبين بحث الإنسانية المعاصرة عن العدل والحق والحرية. ولسان حال الحاكم هو رعيتى وأنا فيما أفعله معهم حر.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات