الصالح العام، الملكية العامة، المصلحة العامة، الخ، كل ما يحوى كلمة «عام» يشير إلى الملكية الجماعية للمواطنين الذين يشكلون أصحاب المصلحة الحقيقية. تأتى الملكية العامة مقابل الملكية الخاصة التى تقع فى حوزة الأفراد. ويشكل التاريخ الإنسانى فى جانب منه حديثا عن المفاضلة بين الملكية العامة والملكية الخاصة، وما يتفرع عنهما من أنماط من الملكية. ولكن استقر الأمر فى النهاية أن هناك ملكية عامة، لا يصح أيا كان شكل النظام الاقتصادى أن تكون فى عداد الملكية الخاصة، لأنها تخدم المجتمع بأسره.
هذه المقدمة فقط للتذكرة أن الملكية العامة هى رصيد المجتمع، الذى ينبغى أن يعمل على تنميتها، فهى ليست ملك الحكومة، ولا يصح أن ينظر إليها على أنها تتبع الحكومة أيا كانت، بل هى ملك للمواطنين جميعا، أى المجتمع أو ملك الدولة ذاتها. وقد استغربت من الأنباء التى تشير إلى قيام البعض بالكتابة على جدران محور روض الفرج الذى افتتح منذ أسابيع، وهو سلوك نراه فى مواضع أخرى مثل قيام بعض الطلاب بتحطيم المناضد أو الكتابة على جدران المدارس، أو تخريب كبائن التليفونات فى الشارع، أو المواصلات العامة، وهو امتداد لحالة الاعتداء على الشارع، ممثلة فى احتلال الباعة والمقاهى للرصيف، ونهر الطريق، أو سرقة المرافق العامة سواء كانت كهرباء أو مياه، والتهرب من الضرائب والالتزامات المالية تجاه الدولة إن أمكن، الخ، وهى صورة تعبر عن استباحة من جانب البعض للممتلكات العامة من ناحية، أو عداء للحكومة أيا كانت من ناحية أخرى، وهى مسألة غريبة، أن يظهر السلوك العدائى من جانب بعض المواطنين، العداء من أجل العداء، تماما مثلما تجد بعض الصبية يعتدون على الممتلكات الخاصة من غير سبب مثل تشويه السيارات بآلات حادة فى الشارع، وغيرها من المظاهر السلبية. صحيح أن فى الدول المتقدمة الناس ليسوا ملائكة، بل تجد فيهم مظاهر من العدوانية، والرغبة فى الاعتداء على الملكية العامة، ولكن ليست بنفس الصورة التى نجدها فى مجتمعنا، لا كما ولا كيفا، ربما لأن تطبيق القانون أكثر حسما، ولكن الأهم أن التربية منذ الصغر على المواطنة، واحترام الملكية العامة والخاصة على السواء، والعناية بالبيئة، والمساهمة فى تطوير نوعية الحياة فى المجتمع.
القانون مهم، ولكن فى رأيى التربية أهم. ما نعتقد أنه ليس ضروريا، يكاد يكون هو أساس التكوين الذى يحتاج إليه نشء صاعد، يؤمن بأن ما يحققه المجتمع هو ملك له، يحافظ عليه، ويدافع عنه، وهو ما نسميه التربية على المواطنة. المسألة ليست شعارات، ولا علاقات عامة، ولا اعلانات فى التلفزيون، ولكن تكوين للمرء، وهى مسألة فيها استثمار مبكر فى الأفراد، سواء من خلال مواد تعليمية، أو زيارات ميدانية، أو مشاركة فى مشروعات تنموية، مثلما يحدث فى الدول المتقدمة، التى ترى التربية الوطنية مفتاح التنشئة الأساسى فى المجتمع.