فى كل منتدى أشارك فيه أسمع عن حاجة المجتمع إلى قيادات شابة. وتنحو الخطابات السياسية والإعلامية تجاه الحديث عن مشاركة الشباب، وأهمية اندماج الشباب فى الحياة العامة، ومستقبل مصر مرهون بالشباب، الخ. وهو خطاب ليس جديدا، وأشعر أحيانا فى هذه الخطابات أن «الشباب» تحول إلى مهنة أكثر من كونه مرحلة عمرية فيها حيوية، وانطلاق، ورغبة فى إثبات الذات.
كلام جيد ليس له مردود فى الواقع. ويكفى أن نسأل الشباب أنفسهم، سوف تسمع منهم أن المجتمع لا يعطيهم فرصة. فى الحقيقة المشكلة متشعبة. النظام التعليمى، الأساس فى هذه العملية، لا يفرز عناصر متعلمة مؤهلة لشغل وظائف قيادية. سوق العمل كاشف، التنافس بين أنظمة التعليم المختلفة فى مصر يكشف بوضوح ضعف التعليم الرسمى فى مواجهة التعليم الخاص، على الأقل على صعيد تعلم لغات أجنبية. والمؤسسات التى يلتحق بها الشباب للعمل تفتقر عادة إلى البرامج التدريبية الدورية التى تكسبهم علم ومعرفة وخبرات، بل قد يحدث العكس وهو تعلم أساليب البيروقراطية العتيقة، والفهلوة، والمحسوبية، والفساد.
فى كل المؤسسات تسمع دائما شكوى من ضعف القيادات وعدم قدرتها على اتخاذ قرار، وإشارة إلى عدم قدرة الشباب على تحمل المسئولية. أحيانا يكون السبب هو مناخ الخوف الذى يحيط بالمؤسسات، ويضعف العزائم، ويرعش الأيدى، ولكن فى أحيان أخرى يعود إلى ضعف العنصر البشرى القادر على ذلك. ليست السياسة هى المسئولة فى كل الأحيان، ولكن ضعف القيادات هو الذى يصيب المؤسسات بالضعف.
السؤال كيف نحصل على قيادة شابة؟
فعلها فى السابق نهرو فى الهند، عندما استلم بلاده من الاحتلال البريطانى خالية من القيادات القادرة على تولى الوظائف العامة، فاتجه إلى إنشاء معاهد للإدارة فى مختلف الولايات، تُكسب الملتحقين بها معرفة، وخبرات، ومهارات الإدارة، وتحفيز العاملين معهم. وفى غضون سنوات نجحت هذه المعاهد فى تخريج قيادات شابة قادرة على تولى المواقع العامة.
نحن بحاجة إلى معهد علمى يدرب شباب مختارين بعناية على الإدارة الصحيحة: وضع المشروع، تعبئة الموارد، الإدارة الكفء، تصحيح الأخطاء، تطوير العمل، تقييم النتائج، بداية دورة عمل جديدة، وهكذا. الإدارة علم، وخبرة، ومهارات. وتحتاج مصر إلى مديرين كفء من الشباب يديرون الموارد المحدودة بكفاءة أكثر من حاجتها إلى ساسة ونشطاء. فقد أدى غياب المدير الكفء، وشيوع الناشط، إلى ضعف المؤسسات، وخف وزن الوظيفة العامة، وصار كل جيل للأسف أقل تقدمية من الجيل الذى يسبقه، رغم أن العكس هو المفترض، لأن ما يتيحه العصر للجيل الحالى لم يتمتع به أبناء الأجيال السابقة.
أدعو إلى محاكاة تجربة الهند بعد ما يزيد عن نصف قرن. ما المانع فى ذلك؟ إنشاء معاهد للإدارة وفق مناهج حديثة، والإفادة من الخبرات المهمة التى تراكمت لعدد من المصريين الذين تبوأوا مواقع مهمة فى مؤسسات دولية، ونالوا حظا من التعليم المتقدم فى الخارج، دعوتهم إلى المساهمة بخبراتهم، ويقدمون نماذج جيدة من القيادات الشابة لمؤسسات المجتمع.