الصهيونية المسيحية إنْ حَكت - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 3:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصهيونية المسيحية إنْ حَكت

نشر فى : الخميس 18 يوليه 2024 - 8:25 م | آخر تحديث : الخميس 18 يوليه 2024 - 8:25 م


الصهيونية المسيحية حركة غير مكشوفة إلا نسبيا فى عالمنا العربى. ومع ذلك، فإن الحقيقة المذهلة هى أن الصهيونية بدأت مسيحية قَبل أن تكون يهودية، فى ظل الاعتقاد السائد فى البروتستانتية الأنجلوساكسونية منذ منتصف القرن التاسع عشر بأن «عودة شعب إسرائيل إلى أرضه» تساهم فى تحقق النبوءات. مِثل هذا الاعتقاد سوف يُسهّل فبركة «وعد بلفور» الذى عُدّ أول إنجاز تاريخى للحركة الصهيونية عام 1917، ويجعل تأييد إسرائيل منذ 1948 محورا رئيسيا للسياسة الداخلية فى الولايات المتحدة، وذلك بسبب الوزن المتزايد باستمرار للصهيونية المسيحية بالدرجة الأولى، واستقطاب الصوت اليهودى بالدرجة الثانية.
يَعتقد التيار الإنجيلى فى البروتوستانتية الأنجلوساكسونية أن فلسطين فارغة من المعنى لغياب «أمة» تستحق هذا الاسم «ما دام الشعب اليهودى لم يُحقِّق فيها مصيره ممهدا السبيل لإقامة مملكة الله». ومن شأن هذا التصوّر الدينى أن يتحوّل إلى هاجس سياسى يدفع نحو تعزيز السلطات البريطانيّة دعمها للمشروع الصهيونى فى فلسطين، وتاليا دعم الولايات المتحدة لدولة إسرائيل الناشئة. ويمكن لهذه الحِجّة التوراتيّة أن تُفضى، عقب احتلال الضفة والجولان وسيناء، إلى إفلات الدولة اليهوديّة الغاصبة من المحاسبة الدوليّة، وتاليا تجاوز القانون الدولى.
• • •
ها هى الصهيونية المسيحية فى الآونة الأخيرة تعمل لتشجيع دونالد ترامب على توجيه ضربات بشرعية القضية الفلسطينية، وذلك عبر إعلانه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل فى 2017 فى إطار «مقاربة جديدة للنزاع بين إسرائيل والجانب الفلسطينى». وإذا كان وعد بلفور لم يعترف سوى بـ«الحقوق المدنية والدينية للجماعات غير اليهودية الموجودة فى فلسطين»، فإنّ ترامب لا يعترف للشعب الفلسطينى سوى بحرية العبادة فى القدس، ويمنح لإسرائيل الحق فى ضم وادى الأردن والمستوطنات فى الضفة بموجب «اتفاق القرن» الموقع مع نتنياهو فى 2020.
لم يكتفِ الأصوليون الأنجلوساكسون بتغييب العرب فى الصراع على فلسطين، بل عملوا أيضا لجعل العملية الرامية إلى حرمان الشعب الفلسطينى من وطنه مسألة غير قابلة للعودة إلى الوراء. وهكذا تخلّت الصهيونيّة المسيحيّة عن الاهتمام بالإدارة السياسية للانتداب البريطانى، لمصلحة التركيز على العمل داخل الولايات المتحدة، وإن ظلت تتجنب ممارسة سلطة مباشرة على فلسطين رافضة باستمرار نشر قوة للفصل فيها.
غير أن الاستبداد التوراتى سوف يؤدى تدريجيا إلى تحويل الصهيونية المسيحية إلى ماكينة حربية تطحن كل المبادرات الرامية إلى السلام، ومنها محاولة الرئيس جيمى كارتر الذى تجرّأ على الحديث عن مصالحة بين العرب والجانب الإسرائيلى، والخطوة التى أقدم عليها إسحاق رابين باسم أمن إسرائيل وأسفرت عن عقد تسوية إقليمية مع منظمة التحرير.
كان لافتا للانتباه أيضا، أنه بمجرد الحصول على اعتراف الرئيس ترومان بإسرائيل، لم يعُد بن جوريون يُولى الصهيونية المسيحية سوى القليل من الاهتمام. فى المقابل، نرى بيجن ونتنياهو يلتزمان شراكة متعدّدة الوجوه مع الأوساط المسيحيّة التى تُبدى تأييدا مطلقا للصهيونيّة، علما أن الانتهازية هى التى تدفعهما إلى بناء علاقة عضوية مع الإنجيليين الأمريكيين، وهى نزعة مماثلة لتلك التى تحرك مسيرة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ثم محاولته الخوض مجددا فى معركة الرئاسة الأمريكية.
لكن الغريب فى تحلق الأصوليين الأمريكيين حول ترامب أن هذا الرئيس لا يتميز بممارسته الدينية ولا بتمسكه بالقِيم العائلية. ومع ذلك، فقد وضعوا ثقلهم فى الانتخابات التمهيديّة للحزب الجمهورى حيث يمثّلون نصف الناخبين والناخبات، ثم فى الانتخابات الرئيسيّة فى نوفمبر حيث كانوا يمثّلون نحو نصف الأصوات الجمهوريّة، وذلك لإنجاح سعى ترامب إلى تبوّؤ سدّة الرئاسة. ويبدو أنّ دعم ترامب غير المشروط والتزامه نقل السفارة إلى القدس، قد ضَمِنا لترامب هذا التأييد الحاسم من القاعدة الإنجيليّة.
• • •
وإذ نأتى إلى التأييد المطلق الذى يُظهره الرئيس جو بايدن لحرب الإبادة الجماعيّة التى تشنّها إسرائيل على فلسطين، نتبيّن أن هذا الموقف يتصل بالاقتناعات الصهيونية لرئيس يرفض النداءات المتكررة للبابا فرنسوا من أجل وقف النار فى غزّة، على الرغم من إيمانه الكاثوليكى. ولقد رأى بايدن، خلال زيارته لإسرائيل فى 8 أكتوبر، أن من المناسب أن يؤكد لنتنياهو أنّه «ليس ضروريا إطلاقا أن تكون يهوديا لكى تكون صهيونيا، وأنا نفسى صهيونى».
لا شكّ فى أنّ ما يهمّ بايدن فى الاصطفاف إلى جانب إسرائيل، عسكريّا واستخباريّا ودبلوماسيّا، هو إرضاء الصهيونيّين المسيحيّين الذين يسيطرون على الكونجرس ويهدّدون بعرقلة عمل المؤسّسات الفيدراليّة عبر تجميد موازنتها. وأنّ الإنجيلى المتعصّب مايك جونسون، الذى انتُخب رئيسا لمجلس النواب الأمريكى فى 25 أكتوبر الماضى، عقب أزمة دامت ثلاثة أسابيع، حصل فى اليوم نفسه على التصويت بأكثرية 412 صوتا مقابل 10 أصوات على قرار التضامن «مع إسرائيل التى تُدافع عن نفسها ضدّ الحرب البربريّة لحماس».
كان جونسون هذا، المقرب من ترامب، قد زار القدس فى فبراير 2020، ودخل إلى المسجد الأقصى مُحاطا بمؤيّدين إسرائيليّين لإقامة الهيكل الثالث مكان قبّة الصخرة. وقاد جونسون فى 3 أكتوبر عمليّة التصويت بأكثريّة 226 صوتا مقابل 196 صوتا على مساعدة عسكريّة لإسرائيل قيمتها 14 مليار دولار مقتطعا من هذه الصفقة المساعدة الإنسانية المقترحة لغزة.
لا بد، أخيرا، من الإشارة إلى المبشر فرانكلين جراهام الذى تسلّم «الإمبراطورية الإنجيلية» من والده بيلى جراهام، فقد أكد لنتنياهو عندما استقبله فى تل أبيب فى 20 أكتوبر تأييده لـ«إسرائيل شعب الله» فى هذه الحرب «بين الخير والشر» داعيا، إثر هذا اللقاء، أتباعه فى الولايات المتحدة «إلى الصلاة من أجل رئيس الوزراء» الإسرائيلى.
فى الواقع، إن الحلفاء الإسرائيليين للصهيونيين المسيحيين ليس لديهم أى أوهام حول المصير الذى يتصوره الأصوليون الأمريكيون لليهود المرشحين للإبادة بنسبة الثلثين فى يوم القيامة، على أن ينجو الثلث المتبقى بفضل اعتناقه المسيحية. ولا مشكلة لدى هؤلاء الحلفاء فى تحمل الغلواء المعادية للسامية للمبشرين الإنجيليين، ما دام تأييدهم صلبا للاستيطان الكولونيالى للأراضى الفلسطينية.


ميشال نوفل
صحيفة الأخبار اللبنانية
النص الأصلي:
https://bit.ly/3WmlMBr

 

التعليقات