الحضانة الممتدة - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 5:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحضانة الممتدة

نشر فى : الثلاثاء 18 أغسطس 2020 - 8:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 18 أغسطس 2020 - 8:25 م

أصدرت المحكمة العليا الإيطالية حكما أثار جدلا مفاده أن الوالدين ليسا بحاجة إلى الانفاق على أبنائهما ــ البالغين ــ مدى الحياة، وذلك فى فصل الختام لدعوى قضائية استغرقت خمس سنوات، قام برفعها مدرس موسيقى لبعض الوقت، يبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاما، وصادف مشكلات مالية فى حياته، وسعى إلى إلزام والديه قانونا بالإنفاق عليه. وقد حصل على حكم لصالحه من محكمة أول درجة، ثم ما لبث أن ألغته المحكمة العليا، التى أصدرت حكمها المشار إليه، وذكرت فى حيثياته أن الوالدين لا يجب أن يتحملا الانفاق على أبنائهما مدى الحياة.
صادف الحكم جدلا بين مؤيد ومعارض، البعض رأى أنه لا ينظر بعين الاعتبار للظروف الاقتصادية الصعبة التى تواجه أجيال الشباب، والبعض الآخر رأى أنه ضرورى لتحقيق الاستقلال النفسى لشباب يعيشون فى كنف والديهم مدة طويلة مقارنة بأقرانهم الأوروبيين، إذ بينما يقيم نحو 65% من الإيطاليين ما بين سن 18 إلى 34 مع أحد والديهم على الأقل، ويقيم 36% من الطلاب فوق 18 سنة فى منزل الأسرة، نجد أن نحو 10% من البالغين فقط يعيشون فى بيت الأسرة فى المجتمعات الاسكندنافية.
الحكم دلالاته رمزية إلى حد بعيد، ويتعلق بالقضية التى صدر بشأنها، ولا يمتد إلى ترتيب أوضاع عامة فى المجتمع، وعلى حد تعبير أحد المعلقين أن الأسرة الإيطالية تحتاج إلى 30 سنة حتى تنفذ هذا الحكم من خلال تكوين جيل من الشباب قادر على الاعتماد على النفس، دون حاجة إلى انتظار مساعدات مالية من والديه. قد تكون المشكلة فى الأزمة الاقتصادية التى دفعت البعض إلى مطالبة الشباب بالابتكار فى اختيار الأدوار، وليس انتظار الوظائف فى سوق العمل، وفى ذلك دلالة على الصعوبات الاقتصادية، خاصة بعد الآثار المرة الناجمة عن انتشار فيروس «كوفيدــ 19» فى النصف الأول من العام الجارى، ولكن فى الحقيقة فإن الحكم القضائى، والجدل الذى رافقه، ليس بعيدا عن مجتمعنا، إذ إن الصعوبات الاقتصادية المتراكمة جعلت أيضا اعتماد الأبناء على ابائهم ممتدا لسنوات بعد انتهاء دراستهم الجامعية، والانخراط فى سوق العمل، ليس هذا فحسب، بل أن «الاعتماد النفسى» على الوالدين، وعدم القدرة على اتخاذ قرارات فى الحياة هى سمة نجدها لدى بعض أبناء الجيل الثانى من الشباب الذين ورثوا مشروعات اقتصادية عن والديهم، وأساءوا إدارتها، وانفرط عقدها، ولم تعد كما كانت من قبل.
المسألة ليست مادية فقط، ولكنها أيضا تكوين نفسى وتربوى.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات