الواقع الاقتصادى مؤلم، وهناك قرارات صعبة فى الأفق. هذه ليست معلومة جديدة، بل خطاب متواتر على جميع الأصعدة، حيث يستشعر المواطن العادى تقلبات الأسعار الحادة، ويشكو حاله، ويخشى قادما أكثر قسوة. هل الدولة تستطيع وحدها؟ بالطبع لا، ولن تستطيع أى دولة فى ظروف مصر أن تتحمل فاتورة باهظة للإصلاح الاقتصادى، من هنا، تأتى الخطورة بأن تكون الدولة فى مواجهة المواطن غير المنظم، الذى قد يتعرض إلى عمليات الحشد والتعبئة من جانب قوى منظمة فى اتجاه التعبير العنيف عن واقع اقتصادى واجتماعى قاسٍ لخدمة أهداف سياسية أخرى.
الحل ليس فى انتظار المواجهة، أو السعى إلى خطابات التسكين، أو ترك إدارة الأمور للصدفة، المطلوب أن يكون هناك مجتمع مدنى قوى يبلور آراء واحتياجات المواطنين، ويعبر عن مصالحهم، ويقدم مساعدات وخدمات للفئات المهمشة والفقيرة، ويخفف العبء عن كاهل الدولة، التى تعانى من نقص الموارد وزيادة الاحتياجات بصورة متصاعدة.
المجتمع المدنى، حتى لا ننسى، على مدى عقود أمن انسحاب الدولة من تقديم خدمات كثيرة، نهضت بها جمعيات ومستوصفات ومبادرات اجتماعية سدت احتياجات قطاعات من الفقراء والمهمشين، وهناك منظمات غير حكومية قدمت قروضا صغيرة ساعدت المواطنين على خلق فرص عمل، وأخرى ساعدت على ايجاد روابط بين مزارعين أو صيادين أو أصحاب حرفة معينة من أجل تعظيم العائد من خلال التعاون والعمل المشترك.
الإشكالية الحقيقية الآن أن هناك موقفا سلبيا تجاه منظمات المجتمع المدنى، بعضها يرجع إلى التوجس من «التمويل الخارجى»، وبعضها يعود إلى اعتقاد مطمور بأنها تسىء إلى الدولة مثل النظرة السلبية لمنظمات حقوق الإنسان، وبعضها أيضا يرجع إلى اعتبارها جزءا من منظومة صناعة الثورات، من خلال علاقاتها بهيئات أجنبية تحمل هذه الأجندة.
الخلاصة أن العلاقة بين الحكم والمجتمع المدنى غير صافية، وهناك هواجس، ورفض، ما بين توجه رسمى يرى أن منظمات المجتمع المدنى، أو بعض منها «غير برىء الهدف»، وما بين منظمات مدنية ترى أن هناك توجهات سلطوية لا تسمح بوجودها. هذه الحالة ينبغى أن نخرج منها، حرصا على أن تمر المرحلة الاقتصادية الصعبة بهدوء قدر المستطاع، لأننا لا نريد أن نرى مواطنا عشوائيا، ولكن مواطنين لهم هيئات تمثلهم، وكيانات تعبر عن رأيهم، وتقدم لهم خدمات هم بحاجة إليها، سواء كانت جمعيات أو نقابات أو أندية، الخ. وهناك خبرات دولية مهمة فى هذا الإطار تكشف أن منظمات المجتمع المدنى تلعب دورا مساندا للدولة فى التخفيف من الآثار الاجتماعية القاسية لبرامج الإصلاح الاقتصادى، وغيابها أو ضعفها يؤدى إلى أن يصبح المواطن دون شبكة أمان اجتماعى أو يضطر للانكفاء حول الكيانات التقليدية، وبالأخص الدينية.
بالطبع يفتح الحديث عن أهمية المنطقة العازلة ــ أعنى المجتمع المدنى ــ الباب أمام المشاركة الواسعة، سواء فى الشأن المحلى أو المبادرات المجتمعية أو الميزانية العامة كما يحدث فى بعض الدول، بحيث يصبح المجتمع فى حالة استدعاء دائم للمشاركة فى مواجهة أزمته، ولا يصبح فى حالة عداء مع الحكومة التى يتصور أنها منتجة للأزمة.