الأستاذية الجامعية الحقة تتعارض والكبر، وتتنافر مع الغرور، وسوء التعبير وانعدام اللياقة.. وأقولها (وربما يغضب قولى هذا بعض الأكاديميين، ولكن ما باليد حيلة) ابتلينا فى السنوات الأخيرة بمن يرى أن حرف الدال الذى يسبق اسمه هو كل ما يبرزه ويشهره للتعريف بنفسه، وكأنه لا يرى سوى هذه الدرجة كى يقول «أنا حاصل على الدكتوراه إذن أنا موجود»!
أو تراه لا يحرر كلمة أو ينطقها إلا إذا سبقت بـ«أنا الدكتور فلان»!! أو أنا الدكتور علان؟! ولكن ليس بالدرجات العلمية وحدها نحصل على الاحترام وننال التقدير! وما أكثر الحاصلين على الدكتوراه، وهم فى حاجة إلى مراجعة شهاداتهم الكاملة من الابتدائية، وحتى الليسانس أو البكالوريس وصولًا إلى الدكتوراه ذاتها!
بالمناسبة، وأنا جاد فيما أقول؛ هناك رؤساء جامعات، وعمداء كليات، ووكلاء، ورؤساء أقسام آداب ولغات وإنسانيات.. إلخ، وأساتذة يتصدرون المشهد، (إلا من رحم ربى)، أقسم بالله أنهم لا يكادون ينطقون أو يكتبون بالعربية جملة سليمة، (والله أعلم بباقى اللغات)، ومنهم من يدرِّس مواد قراءة النصوص التخصصية (فى العلوم والمعارف الإنسانية المختلفة)، وهم يهدرون أول شروط القراءة؛ أى السلامة اللغوية، والصواب المفضى إلى المعنى الأول الواضح المباشر قبل أى تفسير أو تأويل أو تحليل!! وللأسف فإن هؤلاء هم الأكثر عجرفة وادعاء وإثارة للضجيج!
يا سيدى.. اتكاؤك على الدرجة العلمية فقط، يعنى أنك بلا منجز، وبلا شىء حقيقى.. ولو كنت ذا منجز حقيقى لكنت أكثر الناس تواضعًا وهدوءًا وثقةً وإحساسًا بالآخرين. منجزك الحقيقى فى كتاباتك الجادة الأصيلة، التى تتصل اتصالا وثيقا بهمومنا المعرفية والمجتمعية، وليس مجرد كليشيهات نحصل بها على الدرجات ونترقى فى سلم الكادر الجامعى أو غيره، وكان الله بالسر عليما!
منجزك الأهم فى مساهمتك الفعالة فى الجامعة وخارجها، فى سلوكك الإنسانى الهادئ المتزن، وتعبيرك الأنيق المنضبط، وفى اتساق أفكارك مع سلوكك، وفى حصافتك ولباقتك، وقدرتك على وزن كلماتك وتصرفاتك (فلا يصح أن تكون أستاذًا جامعيًا محترما وأنت تروج للجهل والخرافة والشعوذة، وأقسم بالله أن بين ظهرانينا أساتذة فى العلوم البحتة والتطبيقية والإنسانية ما زالوا يعتقدون فى العفاريت واللبس والربط وما شابه هذه الخرافات التى ندعو الله أن يعافينا منها، كما لا يصح أن تدعو طلابك إلى الثقافة والمعرفة وأنت عديمهما، ولا تدرِّس طلابَك احترام القيمة وأنت منزوعها، وأن تدعو إلى حق الاختلاف واحترام الرأى والرأى الآخر، وأنت تمارس سلطاتك باستبداد وعنف فى أبشع صورهما).
منجزك الحقيقى فى تأسيسك علاقاتك الإنسانية مع طلابك داخل قاعة المحاضرة وخارجها، وفى قدرتك الحقيقية على التفاعل مع هموم وقضايا مجتمعك باستثمار ما تحسنه من معارف ومهارات، وليس بادعاء وجودهما؛ لأن الدال تسبق اسمك الكريم فقط!
منذ سنوات وأنا أتابع عن كثب، بحكم التخصص والانخراط فى النشاط العام، وتلبية الدعوات التى أتلقاها للمحاضرة فى بعض الأقسام العلمية بكليات الآداب والإنسانيات عمومًا، وبحكم الاتصال بأساتذة وأصدقاء فى هذه الأقسام، أتابع الأجواء والنشاط وما كانت عليه هذه الأقسام ثم ما صارت إليه، وأحاول أن أقرأ هذا المشهد، وأقارن بين الوضع الذى (شهدتُه) منذ ما يزيد على عشرين عاما (ولم يكن فى العموم أفضل كثيرا ولكنه كان أفضل بالتأكيد) وتخرجت فيه، وبين الوضع الآن: كيف هم الطلاب، وما وضعية المعيدين والمدرسين والأساتذة المساعدين والأساتذة؟ أين هؤلاء من الإسهام فى المجال الثقافى والعلمى والمعرفى العام؟ ما مدى مطابقة ما يجب أن يكون عليه «معيد» الجامعة من ثقافة وتكوين وقدرة على الاستيعاب والابتكار والتأليف وبين ما هو حاصل فعليا؟
فى آخر مشاركة لى خارج مصر، فى إحدى المناسبات العلمية المهمة، وجدتُ للأسف نماذج منفرة جدًا، وبدا أنها لا تعبر عن نفسها فقط، إنما للأسف يُشار إليها من جانب، ويُقال بسخرية وتهكم واستهزاء «انظروا هذا المغرور عديم اللياقة، إنه أكاديمى مصرى»، للأسف الشديد.
عمومًا لكل قاعدة استثناء، ونتمنى أن تكون القاعدة سليمة، حتى يكون الاستثناء معروفًا ومحدودًا وغير مؤثر! أو هذا ما نتمناه!
كل أستاذ فى جامعة أو مؤسسة أكاديمية أو حيثما كان حدثته نفسه بأفضلية متوهمة أو سوَّلت له سلوكا متعجرفا قولا أو فعلا.. ليس بأستاذ.. ولا يمكن أن يكون أستاذًا.