لاحظ كثيرون أن مجلس النواب الجديد تسوده حالة من النشاط فى الأيام الأولى لعمله، امتد إلى سؤال، ومتابعة، ومراقبة الأداء الحكومى، وهو الأمر الذى كان باهتا فى تجربة المجلس السابق. وقد كان ملفتا، ومثيرا للدهشة، أن تمر سنوات من عمر البرلمان دون أن يكون هناك استجواب للحكومة، لأنه يصعب ــ إن لم يستحيل ــ فى أى دولة أن يرضى البرلمان المنتخب عن الحكومة رضاء كاملا، أو يبتعد عن توجيه نقد لها، وهى مسألة تتنافى مع فلسفة تكوين البرلمان ذاته. وقد ذكر كثيرون، من بينهم محمد أنور السادات، النائب السابق، ورئيس حزب الإصلاح والتنمية، فى رسالة وجهها إلى النائب الدكتور على عبدالعال، ونشرها على نطاق واسع، انتقد فيها تحاشيه عندما كان رئيسا للمجلس توجيه النقد للحكومة، وهى ظاهرة لا تحتاج إلى من يؤكدها، فقد خلص إليها كل من كان يتابع أعمال المجلس على مدار سنوات. فقد تحول مجلس النواب إلى ماكينة تشريعية ــ ينتج قوانين ــ دون أن يكون له دور رقابى. بالطبع لا أحد يقلل من أهمية الدور التشريعى لمجلس النواب، والجهود التى بُذلت فى هذا الصدد، لكن المجلس التشريعى المنتخب فى أى دولة يستند إلى قدمين هما التشريع والرقابة، ولا يصح أن يسير على قدم واحدة، أو يعدم قدمه الأخرى بإرادته.
لا أريد أن أنضم إلى جوقة الناقدين، والذين ينهالون الآن بكثير من القسوة على رئيس مجلس النواب السابق، رغم أن لى ملاحظات كثيرة على أدائه، لأننى أعتقد أن المسئولية فى هذا الصدد ذات طبيعة «تضامنية»، هى مسئولية مجلس برمته، وليس رئيسه فقط، دون التقليل من أهمية الدور الذى يلعبه الأخير فى توجيه مسار العمل بالمجلس التشريعى.
أظن أن البداية النشطة التى بدأها مجلس النواب الجديد، برئاسة المستشار حنفى الجبالى، مبشرة، نتمنى أن تستمر، وتزداد نشاطا وقوة، لأن المؤسسات الخاملة هى عبء على الدولة، قبل أن تكون عبئا على المواطنين. هى عبء على الدولة، التى تظهر فيها المؤسسات «مستكينة»، لا تمارس دورها، وتجلب النقد لها، وهى ــ كذلك ــ عبء على المواطن، الذى يتطلع دائما إلى ممثلين له يعبرون عن مطالبه، ويراقبون المال العام، ويتعقبون أداء السلطة التنفيذية، ويبثون روح الحيوية فى العمل العام.
تخسر كثيرا الدولة المصرية إذا لم يشتد عود المؤسسات بها، لأن التجربة فى كل انحاء العالم تشير إلى أن العبرة بالمؤسسات، التى تتمتع بالتأييد الديمقراطى، وتمارس صلاحياتها بنزاهة وشفافية. فى تجربة الولايات المتحدة الأخيرة ظهر واضحا أن من يحافظ على الديمقراطية، ويرسى قواعد العمل، ويعبر عن حقوق المواطنين هى المؤسسات. ونتذكر دائما أن البيروقراطية المصرية، رغم كل الانتقادات التى تلاحقها من ترهل وفساد وخلافه، حافظت على كيان الدولة فى أحلك الأوقات، وساعدت على انتظام الحياة.
لا أحد ينكر دور الفرد أو القيادة فى نشر القيم وضبط الأداء وتقديم النموذج، لكن استدامة العمل تكمن فى قوة ورسوخ المؤسسات.