فى العام 2005 استطاعت تلك الشركة العالمية للفنادق ومقرها كندا أن تدخل العاصمة السورية من بواباتها الواسعة فكان ذاك البناء المعمارى بديكوراته التى تطابق بعضا من تاريخ وحضارة وثقافة ورقى هذا البلد، أو هى محاولة من مالكيه لكى لا يشوه المشهد العام لتلك المدينة العاصمة العريقة.. فندق يليق بمدينة عاشقة ساكنة عند حضن النهر. ليتحول إلى مزار لسنين قبل العام 2011 وفجأة يهجر العشاق مدينتهم أو ربما يجبروا على الرحيل وتتوقف الأفواج القادمة لزيارة هذا البلد الذى شهد حضارات متعددة وبشرا وثقافات وكثيرا من الفن والموسيقى.
• • •
يمضى بعض الوقت فيتحول نفس الفندق إلى مقر لمنظمات الأمم المتحدة فيضىء عتمة الطرقات المحيطة وتدب الحياة به، بل تنتعش على اختلاف الزوار أو السكان لأنه تحول إلى مقر لمكاتبهم فى الأول وسكن لموظفيهم القادمين من بقاع الكون بأجناس وأعراق وخلفيات ثقافية كثيرة، لتقديم المساعدة والعون للشعب السورى الذى بالطبع عانى كثيرا قبل وبعد 2011. ثارت ثائرة الإعلام العالمى أو ربما منظمات المجتمع المدنى الدولية وكان أكثر موضوع مشوق لهم فى اجتماعاتهم الكثيرة جدا جدا هو كيف يقيم موظفو الأمم المتحدة فى أكثر الفنادق فخامة فى مدينة منزوعة الكهرباء والماء وكثير من تفاصيل حياة البشر التى تعد عادية بل بديهية؟ طرحوا الأسئلة حتى التقطتها تلك الصحف الإنجليزية وذاع صيت الأمم المتحدة والفندق معا!
• • •
لم تكن المرة الأولى فى تاريخ الأمم المتحدة التى يقيم موظفوها فى فنادق خاصة فى مناطق النزاعات والحروب وحتى فى أوقات الاضطرابات، بل هى حالة مكررة قد حصلت كثيرا فى معظم المدن فى إفريقيا وآسيا وبعض الدول العربية ولو فى أوقات قصيرة. إلا أن مشهد عربات الأمم المتحدة المصفحة المكدسة أمام ذاك الفندق ما لبث أن استثار مشاعر السورى العادى فراح يرسل الانتقادات إذا ما توافرت الكهرباء والإنترنت على وسائل التواصل الاجتماعى أو حتى عبر النكت والسخرية.. ثم ما لبث الأمر أن تحول إلى أكثر من انتقاد حتى فى أروقة الأمم المتحدة وبين أفراد طواقمها العاملين فى سوريا أو حتى أولئك الجالسين فى مقرها الرئيسى فى نيويورك أو فى جنيف حيث يتعمد بعض الصحفيين طرح السؤال المكرر على المسئول الصحفى أو الإعلامى «لماذا يقيم موظفو الأمم المتحدة فى أكثر الفنادق فخامة فى مدينة تغلفها العتمة، ولا يتوافر الماء فى البيوت إلا فى ساعات محددة من النهار والليل؟» لا إجابات مقنعة بالنسبة للصحفيين، ورغم ذلك يعيدون تكرار السؤال ولا يملون.. تمضى السنون وسوريا تعيش حزنها وتمزقها وموت أبنائها وبناتها وجوعهم وتشردهم من بيت إلى آخر ومن مدينة لأخرى، سمى نزوح خلف نزوح ويتبعه فى الكثير من الأوقات هجرة وفى معظمها غير شرعية. لم يكن البحر أكثر رحمة من بيتهم المهدم وذاك العزيز الذى رحل إما هنا وإما هناك.. طفحت جثثهم فوق موج المتوسط وآخرون حالفهم الحظ أو ربما الرحمة الإلهية فوصلوا إلى بر الأمان وهو مجرد بداية لرحلة طويلة من الشقاء ربما!
• • •
لم يرحل كل الشعب السورى كما يريد البعض أن يتصور، بل بقى كثيرون منهم وبقوا أيضا يتابعون بتأمل ذاك المشهد لمنظمات إنسانية تعيش حياة يحلم بها كثير من السوريون والسوريات بل ربما معظمهم حتى القادرون منهم كانت الكهرباء والماء رفاهية لا يعرفونها إلا عند مرورهم وأضواء ذاك الفندق الفخم تتلألأ..
• • •
يمر الزمن ببطء على الشعب السورى وسريعا على آخرين سكنوا فى ذاك الفندق الذى مع الوقت «تبرأت» منه الشركة الأم وأعلنت أنه بقى حاملا للاسم فقط ولا علاقة للشركة به، حتى هى ــ أى الشركات الكبرى العابرة للحدود والأعراق والمدن هى التى غايتها الربح ــ رفعت يدها وأبعدت نفسها عن ذاك المكان.
• • •
لم يتوقف هذا الفندق عن جذب الانتباه ربما لسمعة مالكيه الجدد أو حتى ساكنيه. فبعد أن كان مقرا للأمم المتحدة أصبح هو الآخر مقرا للحكم الجديد فى سوريا حتى أن أحد القادة قال لصحفية هناك وهى تطرح وتكثر من الأسئلة وتطارده إن شئت أى مساعدة فـ«شبابنا فى ألف..» فاندهشت الصحفية المراسلة لصحيفة عرفت بعدائها الشديد للحكم السابق فى سوريا وأعلنت انتصار الثورة برفع العلم السورى الجديد واستخدامه فى كل المواضيع القادمة عن الحياة الجديدة فى سوريا الحرة.. استوقفت الصحفية ذاك القائد لتتأكد أن «شبابهم» مقيمون ايضا فى نفس الفندق الفخم بجوار المنظمات الإنسانية الدولية. بعدها بحثت عن مكان هادئ فى وسط الضجيج لتجلس فتكتب مقالتها الجديدة وعنوانها المثير حامل اسم ذات الفندق!