لينين.. كراكوف وأوشفيتز - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:47 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لينين.. كراكوف وأوشفيتز

نشر فى : الأربعاء 19 فبراير 2020 - 9:30 م | آخر تحديث : الأربعاء 19 فبراير 2020 - 9:30 م

نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب عبدالحسين شعبان... نعرض منه ما يلى:
حين قرأت خبر الاحتفال بالذكرى الـ 75 لتحرير «معسكر أوشفيتز» (الـ 27 من يناير عام 1945) على أيدى الجيش الأحمر السوفييتى، استعدت حدثين مؤثرين فى نفسى عشتُ تفاصيلهما:
الحدث الأول: زيارتى لهذا المعسكر قبل أكثر من خمسة عقود من الزمان، وذلك خلال مشاركتى عام 1969 باحتفالية التحضير للذكرى المئوية لميلاد لينين (الـ 22 من إبريل عام 1970)، حيث التأم اللقاء فى مدينة كراكوف (بولونيا)، التى كان لينين قد عاش فيها بضعة أشهر، وقد نظمت الجهة المضيفة زيارة إلى معسكر أوشفيتز، ولا أنسى مدى تأثرى البالغ بما شاهدته وسمعته من أهوال تفوق حدّ التصوّر. ففى ساحة كبيرة وعميقة ذات سقف زجاجى، كانت تتناثر فيها عشرات الآلاف من فرش الأسنان والأحذية والملابس الداخلية والأمشاط والخواتم والساعات والمحافظ والصور والهوّيات الشخصية للضحايا الذين قتلوا فى هذا المعسكر، مثلما توقّفت فى أماكن أخرى منه عند آلات التعذيب وآثاره المختلفة على الجدران وفى الزنازين والممرّات والقاعات، فقد كان كل شىء فيه يئّنُ من فرط الألم على الرغم من مضى أكثر من عقدين حينها على تحريره.
أما الحدث الثانى، فهو الذى لفتت نظرى إليه إحدى المستشرقات بشأن «مذكرات» إيجون ردليخ العضو القيادى البارز فى المنظمة الصهيونية (ماكابى هاكير)، الذى كتب «يومياته»، وإن كان بحذر شديد خوفا من وقوعها بيد السجانين، حيث كان نزيلا فى أوشفيتز من عام 1940 لغاية عام 1944. وتكشف «اليوميات»، التى أعدّها للنشر ييرجى بوهاتكا (اسم مستعار) فى أواسط السبعينيات، التعاون الوثيق بين الصهيونية والنازية بإرسال مئات الآلاف إلى أفران الموت، مقابل إرسال بضع مئات من المتموّلين والقيادات الصهيونية إلى فلسطين، وقد تسنّى لى إعداد وترجمة الحلقات الأربع التى نشرتها مجلة «المنبر»، لنشرها فى مجلة الهدف الفلسطينية فى أواسط الثمانينيات، وكان قد عُثر عليها فى سقف أحد البيوت الحجرية فى مدينة جودوالدوف التشيكية فى عام 1967، فى حين أُعدم ردليخ على الرغم من تعاونه مع النازية.
كان أدولف إيخمان الضابط النازى الكبير فى جهاز القوات الخاصة (SS) المسئول عن نقل المبعدين إلى معسكرات الإبادة، حيث اتخذ القرار فى مؤتمر فانزيه فى الـ 29 من يناير عام 1942، بتنظيم حملة إبادة فى معسكر أوشفيتز والمعسكرات الستة الأخرى، بما فيها معسكر النساء «رافينسبروك»، عبر آلة تدمير للقتل الجماعى بدوافع عنصرية استعلائية شكّلت جوهر النظرية النازية للحزب النازى الألمانى، وذلك تحت عنوان «الحل الثانى للمسألة اليهودية».
جدير بالذكر أن إيخمان اختفى بعد سقوط برلين، وظلّت الموساد «الإسرائيلية» تبحث عنه، حتى توصّلت إلى مخبئه فى الأرجنتين، فقامت باختطافه فى عام 1960، ونقلته إلى «تل أبيب» فحاكمته ثم أعدمته. أما المسئول عن المعسكر منذ تأسيسه، فكان ردولف هوس حتى نوفمبر عام 1943. وقد نظّمت عمليات قتل ومحارق فى معسكر أوشفيتز ــ بيركيناو الموسّع، حيث كان الأسرى والسجناء ينقلون إليه من مدينة كراكوف، وكلّما ازدادت أعداد السجناء، كان يتم اللجوء إلى القتل. وبغض النظر عن التهويل أو التقليل من شأن عدد الضحايا، لكن رواية القتل كانت قائمة على قدم وساق، ويوثق متحف المعسكر الضحايا القادمين من هنغاريا وبولونيا وإيطاليا وبلجيكا وفرنسا وهولندا وكرواتيا وتشيكوسلوفاكيا وروسيا والنمسا وألمانيا وغيرها، وقد نجا عدد قليل من المعتقلين لم يزد عددهم على 7 آلاف، ولا سيّما بعد محاولة الـ SS تفريغ المعتقل والفرار غربا مع قوافل الأسرى والسجناء بعد وصول الجيش الأحمر إلى سياج الأسلاك الشائكة.
فى أوائل عام 1946 سلّمت سلطات الاحتلال السوفييتى أراضى المعتقل السابق إلى بولونيا، وارتفع النصب التذكارى 1979 فى مدخله، واعتبرته اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمى.
سيبقى ما حصل فى معسكر أوشفيتز محفورا فى الذاكرة الجماعية العالمية باعتباره من جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، ولا سيّما باستذكار معاناة الضحايا وعذاباتهم، ولعلّ ذلك يذكّر اليوم بما حصل ويحصل للفلسطينيين من مجازر فى دير ياسين وكفرقاسم ومذابح الحرم الإبراهيمى والمسجد الأقصى وجنين، إضافة إلى مذابح غزة والعدوان المستمر عليها، فضلا عن حصارها الدامى منذ عام 2007 إلى اليوم.
ولا تزال المأساة الفلسطينية ماثلة للعيان وشاهدا حيا على الجرائم «الإسرائيلية»، حيث يحرم الشعب العربى الفلسطينى من أبسط حقوقه الإنسانية، وفى مقدمتها حقه فى الحياة والعيش بسلام، وتقرير المصير والعودة إلى وطنه وإقامة الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، بل وأكثر من ذلك أن حقوق الفلسطينيين وأراضيهم هى اليوم أكثر عرضة للمزايدة فى سوق النخاسة الدولية، تحت عنوان «صفقة القرن» من دون أى اعتبار إنسانى أو حقوقى أو أخلاقى، حيث يجرى قضمها وضمها واستيطانها وإجلاء أهلها سكان البلاد الأصليين منها.

الخليج ــ الإمارات

التعليقات