ليس فى مصلحة مصر ويهدد من فرص التحول الديمقراطى غياب أجندة توافقية للقوى الوطنية تحدد أولويات الأشهر القادمة بجدولها السياسى والانتخابى المزدحم. نعم أصبحت تباينات المواقف والتوجهات واضحة بين القوى الليبرالية وتلك المستلهمة للمرجعية الدينية وستتصاعد حدتها كلما اقتربنا من الانتخابات التشريعية. إلا أننا لا نملك ترف السماح للتباينات هذه بأن ترتب حالة من الاستقطاب والتنافر السياسى تحول دون الالتزام بأجندة وطنية عامة، بجانب الأجندات الحزبية.
نحتاج إلى أجندة وطنية تلزم جميع القوى باحترام مواطنة الحقوق المتساوية لكل المصريات والمصريين وسيادة القانون ومدنية الحياة السياسية وتداول السلطة. لا تحتمل مصر أن تتحول الانتخابات التشريعية القادمة إلى صراع حول هذه المرتكزات الكبرى للديمقراطية، ويتعين على القوى المختلفة الإعلان صراحة عن التزامها بها والكف عن التشكيك فى مدى التزام الآخرين.
نحتاج، بجانب الأجندات والبرامج الحزبية، إلى أجندة وطنية تحدد الخطوط العريضة لإصلاح وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة المصرية، وليس فقط الأجهزة الأمنية. خرب استبداد مبارك مؤسسات الدولة وأفقدها الشرعية الشعبية والفاعلية، ولن تتمكن من استعادتهما إلا بإصلاح جذرى يعتمد مبدأ الانتخاب للمناصب التنفيذية بدلا من التعيين ومبدأ الفصل بين السلطات والرقابة المتبادلة بينها.
نحتاج، بجانب التنافس الانتخابى وتباينات الليبراليين والإسلاميين، إلى أجندة وطنية تعالج معضلة العلاقة بين الحكومة المركزية فى العاصمة والمحافظات والمحليات. كرست المركزية الشديدة منذ الخمسينيات الاستبداد، وألغت التعبير الحر عن الإرادة الشعبية وعن مصالح وهموم المواطنين خارج القاهرة، ومدت مبدأ التعيين للمنصب إلى كافة مستويات الحكم والإدارة فى مصر. ليس لنا أن نخرج من هذه المعضلة إلا بالانفتاح على الأفكار المرتبطة باعتماد نمط لا مركزى فى إدارة مصر يعطى للمحافظات ومجالسها والمحليات ومجالسها، بعد اعتماد مبدأ الانتخاب لشغل المواقع المعنية هنا، اختصاصات تشريعية وتنفيذية حقيقية تمكنها من التفاوض مع الحكومة فى العاصمة على أولويات الموازنة ومرتكزات العمل العام وتجعلها محل مساءلة ورقابة مباشرة من المواطنين.
نحتاج أيضا إلى أجندة وطنية تحدد مشاريع التنمية الكبرى التى نريدها لمصر لبناء مجتمع العدالة الاجتماعية والتقدم الاقتصادى. المجالات شتى والتحديات عظيمة، من مكافحة الفقر والبطالة والقضاء على الأمية إلى استعادة عافية الاقتصاد المصرى وضبط اختلالاته ورفع مستويات التعليم والبحث العلمى.
لكل هذه الأسباب، أرجوكم دعونا لا نختزل الثورة فى منافسة انتخابية أو صراع حزبى.